[ ص: 186 ] ذكر 
وفاة السلطان  مسعود  وملك  ملكشاه محمد بن محمود  
في هذه السنة أول رجب توفي السلطان  
مسعود بن محمد بن ملكشاه  بهمذان  ، وكان مرضه حمى حادة نحو أسبوع ، وكان مولده سنة اثنتين وخمسمائة في ذي القعدة ، ومات معه سعادة البيت السلجوقي ، فلم يقم له بعده راية ولا يعتد بها ولا يلتفت إليها : 
فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما 
وكان رحمه الله حسن الأخلاق ، كثير المزاح والانبساط مع الناس ، فمن ذلك أن أتابك  
زنكي  ، صاحب 
الموصل  ، أرسل إليه القاضي  
كمال الدين محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري  في رسالة ، فوصل إليه وأقام معه في العسكر ، فوقف يوما على خيمة الوزير ، حتى قارب أذان المغرب ، فعاد إلى خيمته ، فأذن المغرب وهو في الطريق ، فرأى إنسانا فقيها في خيمة ، فنزل إليه ، فصلى معه المغرب ، ثم سأله  
كمال الدين  من أين هو ؟ فقال : أنا قاضي مدينة كذا . فقال له كمال الدين : القضاة ثلاثة ، قاضيان في النار ، وهو أنا وأنت ، وقاض في الجنة وهو من لم يعرف أبواب هؤلاء الظلمة ولا يراهم ، فلما كان الغد أرسل السلطان وأحضر  
كمال الدين  إليه ، فلما دخل عليه ورآه ضحك وقال : القضاة ثلاثة . فقال  
كمال الدين     : نعم يا مولانا . فقال : والله صدقت ، ما أسعد من لا يرانا ولا نراه ! ثم أمر أن تقضى حاجته وأعاده من يومه . 
وكان كريما عفيفا عن الأموال التي للرعايا ، حسن السيرة فيهم ، من أصلح السلاطين سيرة وألينهم عريكة ، سهل الأخلاق لطيفا ، فمن ذلك أنه اجتاز يوما في بعض أطراف 
بغداد  ، فسمع امرأة تقول لأخرى : تعالي انظري إلى السلطان ، فوقف وقال : حتى تجيء هذه الست تنظر إلينا . 
وله فضائل كثيرة ومناقب جمة ، وكان عهد إلى  
ملكشاه  ابن أخيه السلطان  
محمود  ، فلما توفي خطب له الأمير  
خاص بك بن بلنكري  بالسلطنة ، ورتب الأمور ، وقررها بين يديه ، وأذعن له جميع العسكر بالطاعة .  
[ ص: 187 ] ولما وصل الخبر إلى 
بغداد  بموت السلطان  
مسعود  هرب الشحنة بها ، وهو  
مسعود بلال  إلى تكريت ، واستظهر الخليفة  
 nindex.php?page=showalam&ids=15299المقتفي لأمر الله  على داره ، ودور أصحاب السلطان 
ببغداد  ، وأخذ كل ما لهم فيها ، وكل من كان عنده وديعة لأحد منهم أحضرها بالديوان ، وجمع الخليفة الرجال والعساكر وأكثر التجنيد ، وتقدم بإراقة الخمور من مساكن أصحاب السلطان ، ووجد في دار  
مسعود بلال  شحنة 
بغداد  كثير من الخمر ، فأريق ، ولم يكن الناس يظنون أنه شرب الخمر بعد الحج ، وقبض على  
المؤيد الألوسي  الشاعر ، وعلى الحيص بيص الشاعر ، ثم أطلق الحيص بيص ، وأعيد عليه ما أخذ منه . 
ثم إن السلطان  
ملكشاه  سير  
سلاركرد  في عسكر إلى 
الحلة  ، فدخلها ، فسار إليه  
مسعود بلال  ، شحنة 
بغداد  ، وأظهر له الاتفاق معه ، فلما اجتمعا قبض عليه  
مسعود بلال  وغرقه ، واستبد 
بالحلة  ، فلما علم الخليفة ذلك جهز العساكر إليه مع الوزير  
 nindex.php?page=showalam&ids=13615عون الدين بن هبيرة  ، فسار إليه ، فلما قاربوا 
الحلة  عبر  
مسعود بلال  الفرات إليهم وقاتلهم ، فانهزم من عسكر الخليفة ، ونادى 
أهل الحلة   بشعار الخليفة ، فلم يدخلها ، وتمت الهزيمة عليه وعلى أصحابه ، فعاد [ إلى ] 
تكريت  ، وملك عسكر الخليفة 
الحلة  ، وسير الوزير عسكرا إلى 
واسط  ، فملكوهما . 
ثم إن عساكر السلطان وصلت إلى 
واسط  ، ففارقها عسكر الخليفة ، فلما سمع الخليفة ذلك تجهز بنفسه ، وسار عن 
بغداد  إلى 
واسط  ، ففارقها العسكر السلطاني ، وملكها الخليفة ، وسار منها إلى 
الحلة  ، ثم عاد إلى 
بغداد  ، فوصلها تاسع عشر ذي القعدة ، وكانت غيبته خمسة وعشرين يوما 
ثم إن  
خاص بك بن بلنكري  قبض على الملك  
ملكشاه  الذي خطب له بالسلطنة بعد  
مسعود  ، وأرسل إلى أخيه الملك  
محمد  سنة ثمان وأربعين [ وخمسمائة ] وهو 
بخوزستان  يستدعيه ، وكان قصده أن يحضر عنده فيقبضه ويخطب لنفسه بالسلطنة ، فسار الملك  
محمد  إليه ، فلما وصل أجلسه على تخت السلطنة أوائل صفر ، وخطب له بالسلطنة ، وخدمه ، وبالغ في خدمته ، وحمل له هدايا عظيمة جليلة المقدار . 
ثم إنه دخل إلى الملك  
محمد  ثاني يوم وصوله ، فقتله  
محمد  ، وقتل معه  
زنكي   [ ص: 188 ] الجاندار  ، وألقى برأسيهما ، فتفرق أصحابهما ، ولم ينتطح فيها عنزان . وكان  
أيدغدي التركماني المعروف بشملة  مع  
خاص بك  ، فنهاه عن الدخول إلى الملك  
محمد  ، فلم ينته ، فقتل ، ونجا شملة ، فنهب  
جشير  الملك  
محمد  ، ومضى طالبا 
خوزستان  ، وأخذ  
محمد  من أموال  
خاص بك  كثيرا ، واستقر  
محمد  في السلطنة وتمكن ، وبقي  
خاص بك  ملقى حتى أكلته الكلاب ، وكان صبيا 
تركمانيا  اتصل بالسلطان  
مسعود  ، فتقدم على سائر الأمراء وكان هذا خاتمة أمره .