صفحة جزء
[ ص: 189 ] ذكر الحرب بين سنجر والغورية

في هذه السنة كان بين السلطان [ سنجر ] وبين الغورية حرب ، وكانت دولتهم أول ما قد ظهرت ، وأول من ملك منهم رجل اسمه الحسين بن الحسين ملك جبال الغور ومدينة فيروزكوه ، وهي تقارب أعمال غزنة ، وقوي أمره ، وتلقب بعلاء الدين ، وتعرض إلى أعمال ; ثم جمع جيشا عظيما ، وقصد هراة محاصرا لها ، فنهب عسكره ناب ، وأوبة ، ومارباد من هراة والروذ ، وسار إلى بلخ وحصرها ، فقاتله الأمير قماج ، ومعه جمع من الغز ، فغدروا به ، وصاروا مع الغوري فملك بلخ ، فلما سمع السلطان سنجر بذلك سار إليه ليمنعه ، فثبت له علاء الدين ، واقتتلوا ، فانهزم الغورية ، وأسر علاء الدين ، وقتل من الغورية خلق كثير ، لا سيما الرجالة ، وأحضر السلطان سنجر علاء الدين بين يديه ، وقال له : يا حسين لو ظفرت بي ما كنت تفعل بي ؟ فأخرج له قيد فضة وقال : كنت أقيدك بهذا وأحملك إلى فيروزكوه ; فخلع عليه سنجر ورده إلى فيروزكوه فبقي بها مدة .

ثم إنه قصد غزنة وملكها حينئذ بهرام شاه بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين ، فلم يثبت بها بين يدي علاء الدين ، بل فارقها إلى مدينة كرمان ، وهي مدينة بين غزنة والهند ، وسكانها قوم يقال لهم أبغان ، وليست هذه بالولاية المعروفة بكرمان . فلما فارق بهرام شاه غزنة ملكها علاء الدين الغوري ، وأحسن السيرة [ في أهلها ] واستعمل عليهم أخاه سيف الدين سوري ، وأجلسه على تخت المملكة ، وخطب لنفسه ولأخيه سيف الدين بعده .

ثم عاد علاء الدين إلى بلد الغور ، وأمر أخاه أن يخلع على أعيان البلد خلعا نفيسة ، ويصلهم بصلات سنية ، ففعل ذلك وأحسن [ إليهم ، فلما ] جاء الشتاء ، ووقع الثلج ، وعلم أهل غزنة أن الطريق قد انقطع إليهم [ كاتبوا بهرام شاه الذي كان [ ص: 190 ] صاحبها ، واستدعوه إليهم ] ، فسار نحوهم في عسكره ، فلما قارب البلد ثار أهله على سيف الدين فأخذوه بغير قتال ، وكان العلويون هم الذين تولوا أسره ، وانهزم الذين كانوا معه ، فمنهم من نجا ، ومنهم من أخذ ، ثم إنهم سودوا وجه سيف الدين ، وأركبوه بقرة ، وطافوا به البلد ، ثم صلبوه ، وقالوا فيه أشعارا يهجونه بها وغنى بها حتى النساء .

فلما بلغ الخبر إلى أخيه علاء الدين الحسين قال شعرا معناه : إن لم أقلع غزنة في مرة واحدة ، فلست الحسين بن الحسين .

ثم توفي بهرام شاه ، وملك بعده ابنه خسروشاه ، وتجهز علاء الدين الحسين وسار إلى غزنة سنة خمسين وخمسمائة ، فلما بلغ الخبر إلى خسروشاه سار عنها إلى لهاوور ، وملكها علاء الدين ، ونهبها ثلاثة أيام ، وأخذ العلويين الذين أسروا أخاه فألقاهم من رءوس الجبال ، وخرب المحلة التي صلب فيها أخوه ، وأخذ النساء اللواتي قيل عنهن إنهن كن يغنين بهجاء أخيه والغورية ، فأدخلهن حماما ومنعهن من الخروج حتى متن فيه .

وأقام بغزنة حتى أصلحها ، ثم عاد إلى فيروزكوه ، ونقل معه من أهل غزنة خلقا كثيرا ، وحملهم المخالي مملوءة ترابا ، فبنى به قلعة في فيروزكوه ، وهي موجودة إلى الآن ، وتلقب بالسلطان المعظم وحمل الجتر على عادة السلاطين السلجوقية .

وقد تقدم سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة من أخبارهم ، وفيه مخالفة لهذا في بعض الأمر ، وكلا سمعناه ورأيناه في مصنفاتهم ، فلهذا ذكرنا الأمرين ، وأقام الحسين على ذلك مدة ، واستعمل ابني أخيه ، وهما غياث الدين ، وشهاب الدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية