صفحة جزء
[ ص: 103 ] ذكر فدك

لما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر بعث محيصة بن مسعود إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام ، ورئيسهم يومئذ يوشع بن نون اليهودي ، فصالحوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نصف الأرض ، فقبل منهم ذلك ، وكان نصف فدك خالصا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه لم يوجف المسملون عليه بخيل ولا ركاب ، يصرف ما يأتيه منها على أبناء السبيل ، ولم يزل أهلها بها حتى استخلف عمر بن الخطاب ، وأجلى يهود الحجاز ، فبعث أبا الهيثم بن التيهان ، وسهل بن أبي حثمة ، وزيد بن ثابت ، فقوموا نصف تربتها بقيمة عدل ، فدفعها إلى يهود ، وأجلاهم إلى الشام ، ولم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي - يصنعون صنيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته .

فلما ولي معاوية الخلافة أقطعها مروان بن الحكم ، فوهبها مروان ابنيه عبد الملك وعبد العزيز ، ثم صارت لعمر بن عبد العزيز ، وللوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان ، فلما ولي الوليد الخلافة وهب نصيبه عمر بن عبد العزيز ، ثم ولي سليمان الخلافة ، فوهب نصيبه منها أيضا عمر بن عبد العزيز ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة خطب الناس ، وأعلمهم أمر فدك ، وأنه قد ردها إلى ما كانت عليه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، فوليها أولاد فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أخذت منهم .

فلما كانت سنة عشر ومائتين ردها المأمون إليهم .

( محيصة بضم الميم ، وفتح الحاء المهملة ، وتشديد الياء المثناة من تحت وكسرها ، وآخره صاد مهملة . والتيهان بفتح التاء فوقها نقطتان ، وتشديد الياء تحتها نقطتان ) .

وفي هذه السنة رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع ، زوجها ، في المحرم .

وفيها قدم حاطب من عند المقوقس بمارية أم إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأختها شيرين ، وبغلته دلدل ، وحماره يعفور ، وكسوة ، فأسلمت مارية وأختها قبل قدومهما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ مارية لنفسه ، ووهب شيرين حسان بن ثابت الأنصاري ، فهي أم [ ص: 104 ] ابنه عبد الرحمن ، فهو وإبراهيم ابنا خالة .

وفيها اتخذ منبره ، وقيل : إنه عمل سنة ثمان ، وهو الثبت .

وفيها بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلا إلى عجز هوازن ، فهربوا منه ولم يلق كيدا .

وفيها كانت سرية بشير بن سعد والد النعمان بن بشيرالأنصاري إلى بني مرة بفدك ، في شعبان ، في ثلاثين رجلا ، أصيب أصحابه ، وارتث في القتلى ، ثم رجع إلى المدينة .

وفيها كانت سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى أرض بني مرة ، فأصاب مرداس بن نهيك حليفا لهم من جهينة ، قتله أسامة بن زيد ورجل من الأنصار . قال أسامة : لما غشيناه قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرناه الخبر فقال : كيف تصنع بلا إله إلا الله !

وفيها كانت سرية غالب بن عبد الله أيضا في مائة وثلاثين راكبا إلى بني عبد بن ثعلبة ، فأغار عليهم ، واستاق النعم إلى المدينة .

وفيها كانت سرية بشير بن سعد إلى اليمن والجناب في شوال .

وكان سببها أن حسيل بن نويرة الأشجعي كان دليل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى [ ص: 105 ] خيبر ، قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أن جمعا من غطفان بالجناب قد أمدهم عيينة بن حصن ، وأمرهم بالمسير إلى المدينة ، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيرا فأصابوا نعما ، وقتلوا مولى لعيينة ، ثم لقوا جمع عيينة ، فهزمهم المسلمون ، وانهزم عيينة ، فلقيه الحارث بن عوف منهزما ، فقال له : قد آن لك أن تقصر عما مضى .

( حاطب بالحاء المهملة ، وآخره باء موحدة . وبشير بفتح الباء الموحدة ، وكسر الشين المعجمة ، وآخره راء ، والد النعمان بن بشير . وعيينة بضم العين ، وفتح الياء المثناة تحتها نقطتان ، وسكون الياء الثانية ، وبعدها نون ، تصغير عين ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية