صفحة جزء
[ ص: 342 ] ذكر وفاة أسد الدين شيركوه

لما ثبت قدم أسد الدين ، وظن أنه لم يبق له منازع ، أتاه أجله حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فتوفي يوم السبت الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وستين وخمسمائة ، وكانت ولايته شهرين وخمسة أيام .

وأما ابتداء أمره وسبب اتصاله بنور الدين ، فإنه كان هو وأخوه نجم الدين أيوب ابنا شاذي من بلد دوين ، وأصلهما من الأكراد الروادية ، وهذا النسل هم أشراف الأكراد ، فقدما العراق ، وخدما مجاهد الدين بهروز شحنة بغداد ، فرأى من نجم الدين عقلا ورأيا وافرا وحسن سيرة ، وكان أكبر من شيركوه ، فجعله مستحفظا لقلعة تكريت ، وهي له ، فسار إليها ومعه أخوه شيركوه فلما انهزم أتابك الشهيد زنكي بن آقسنقر بالعراق من قراجة الساقي على ما ذكرناه سنة ست وعشرين وخمسمائة ، وصل منهزما إلى تكريت ، فخدمه نجم الدين ، وأقام له السفن فعبر دجلة هناك ، وتبعه أصحابه ، فأحسن أيوب صحبتهم وسيرهم .

ثم إن شيركوه قتل إنسانا بتكريت لملاحاة جرت بينهما ، فأخرجهما بهروز من القلعة ، فسارا إلى الشهيد زنكي ، فأحسن إليهما ، وعرف لهما خدمتهما ، وأقطعهما إقطاعا حسنا ، فلما ملك قلعة بعلبك جعل أيوب مستحفظا بها ، فلما قتل الشهيد حصر عسكر دمشق بعلبك وهو بها ، فضاق عليه الأمر ، وكان سيف الدين غازي بن زنكي مشغولا عنه بإصلاح البلاد ، فاضطر إلى تسليمها إليهم ، فسلمها على إقطاع ذكره ، فأجيب إلى ذلك ، وصار من أكبر الأمراء بدمشق .

واتصل أخوه أسد الدين شيركوه بنور الدين محمود بعد قتل زنكي ، وكان يخدمه في أيام والده ، فقربه وقدمه ، ورأى منه شجاعة يعجز غيره عنها ، فزاده حتى صار له [ ص: 343 ] حمص والرحبة وغيرهما ، وجعله مقدم عسكره ، فلما أراد نور الدين ملك دمشق أمره فراسل أخاه أيوب وهو بها ، وطلب منه المساعدة على فتحها ، فأجاب إلى ما يريد منه على إقطاع ذكره له ولأخيه ، وقرى يتملكانها ، فأعطاهما ما طلبا ، وفتح دمشق على ما ذكرناه ، ووفى لهما ، وصارا أعظم أمراء دولته . فلما أراد أن يرسل العساكر إلى مصر ، لم يرد لهذا الأمر العظيم والمقام الخطير غيره ، فأرسله ، ففعل ما ذكرناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية