صفحة جزء
ذكر فرج بعد شدة يتعلق بالتاريخ

بالقرب من جزيرة ابن عمر حصن منيع من أمنع المعاقل اسمه فنك ، وهو على رأس جبل عال ، وهو للأكراد البشنوية ، له بأيديهم نحو ثلاثمائة سنة ، وكان صاحبه هذه السنة أمير منهم اسمه إبراهيم ، وله أخ اسمه عيسى ، قد خرج منه ، وهو لا يزال يسعى في أخذه من أخيه إبراهيم ، فأطاعه بعض بطانة إبراهيم ، وفتح باب السر ليلا ، وأصعد منه إلى رأس القلعة نيفا وعشرين رجلا من أصحاب عيسى ، فقبضوا على إبراهيم ومن عنده ، ولم يكن عنده إلا نفر من خواصه ، وهذه قلة على صخرة كبيرة مرتفعة عن سائر القلعة ارتفاعا كثيرا ، وبها يسكن الأمير وأهله وخواصه ، وباقي الجند في القلعة تحت القلة ، فلما قبضوا على إبراهيم جعلوه في خزانة ، وضربه بعضهم بسيف في يده على عاتقه ، فلم يصنع شيئا ، فلما جعل في الخزانة وكل به رجلان ، وصعد الباقون إلى سطح القلة ، ولا يشكون أن القلعة لهم لا مانع عنها .

ووصل من الغد بكرة الأمير عيسى ليتسلم القلعة ، وبينهما دجلة وكانت امرأة الأمير إبراهيم في خزانة أخرى ، وفيها شباك حديد ثقيل يشرف على القلعة ، فجذبته بيدها فانقلع ، وجند زوجها في القلعة لا يقدرون على شيء ، فلما قلعت الشباك أرادت أن تدلي حبلا ترفع به الرجال إليها ، فلم يكن عندها غير ثياب خام ، فوصلت بعضها ببعض ودلتها إلى القلعة ، وشدت طرفيها عندها في عود فأصعدت إليها عشرة رجال ، ولم يكن يراهم الذين على السطح .

ورأى الأمير عيسى ، وهو على جانب دجلة ، الرجال يصعدون ، فصاح هو ومن [ ص: 426 ] معه إلى أولئك الذين على السطح ليحذروا ، وكانوا كلما صاحوا صاح أهل القلعة لتختلف الأصوات فلا يفهم الذين على السطح ، فينزلون ويمنعون من ذلك ، فلما اجتمع عندها عشرة رجال أرسلت مع خادم عندها إلى زوجها قدح شراب وأمرته أن يقرب منه كأنه يسقيه الشراب ويعرفه الحال ، ففعل ذلك ، وجلس بين يديه ليسقيه ، وعرفه الحال ، فقال : ازدادوا من الرجال ، فأصعدت عشرين رجلا وخرجوا من عندها ، فمد إبراهيم يده إلى الرجلين الموكلين به ، فأخذ شعورهما ، وأمر الخادم بقتلهما ، وكان إبراهيم عنده ، فقتلهما بسلاحهما ، فخرج واجتمع بأصحابه وأرادوا فتح القلعة ليصعد إليه أصحابه من القلعة ، فلم يجد المفاتيح ، وكانت مع أولئك الرجال الذين على السطح ، فاضطروا إلى الصعود إلى سطح القلة ليأخذوا أصحاب عيسى ، فعلموا الحال ، فجاءوا ووقفوا على رأس الممرق فلم يقدر أحد [ أن ] يصعد ، فأخذ بعض أصحاب إبراهيم ترسا وجعله على رأسه ، وحصل في الدرجة ، وصعد وقاتل القوم على رأس الممرق ، حتى صعد أصحابه فقتلوا الجماعة وبقي منهم رجل ألقى نفسه من السطح ، فنزل إلى أسفل الجبل فتقطع . فلما رأى عيسى ما حل بأصحابه عاد خائبا مما أمله ، واستقر الأمير إبراهيم في قلعته على حاله .

التالي السابق


الخدمات العلمية