ذكر 
ملك الملثمين  والعرب إفريقية  وعودها إلى الموحدين  
قد ذكرنا سنة ثمانين ملك  
علي بن إسحاق الملثم  بجاية  ، وإرسال  
يعقوب بن   [ ص: 12 ] يوسف بن عبد المؤمن  ، صاحب 
المغرب  ، العساكر واستعادتها ، فسار علي إلى 
إفريقية  ، فلما وصل إليها اجتمع 
سليم  ورياح  ومن هناك من العرب ، وانضاف إليهم 
الترك  الذين كانوا قد دخلوا من 
مصر  مع  
قراقوش  ، وقد تقدم ذكر وصوله إليها . 
ودخل أيضا من أتراك 
مصر  مملوك  
لتقي الدين  ابن أخي  
صلاح الدين  ، اسمه  
بوزابة  ، فكثر جمعهم ، وقويت شوكتهم ، فلما اجتمعوا بلغت عدتهم مبلغا كثيرا وكلهم كاره لدولة 
الموحدين    . 
واتبعوا جميعهم  
علي بن إسحاق الملثم  ، لأنه من بيت المملكة والرياسة القديمة ، وانقادوا إليه ، ولقبوه بأمير المسلمين ، وقصدوا بلاد 
إفريقية  فملكوها جميعها شرقا وغربا إلا مدينتي 
تونس  والمهدية  ، فإن 
الموحدين  أقاموا بهما ، وحفظوهما على خوف وضيق وشدة . 
وانضاف إلى المفسد الملثم كل مفسد في تلك الأرض ، ومن يريد الفتنة والنهب والفساد والشر ، فخربوا البلاد والحصون والقرى ، وهتكوا الحرم ، وقطعوا الأشجار . 
وكان الوالي على 
إفريقية  حينئذ  
عبد الواحد بن عبد الله الهنتاني  وهو بمدينة 
تونس  ، فأرسل إلى ملك 
المغرب  يعقوب  وهو 
بمراكش  يعلمه الحال ، وقصد  
الملثم  جزيرة باشرا  ، وهي بقرب 
تونس  ، تشتمل على قرى كثيرة ، فنازلها وأحاط بها ، فطلب أهلها منه الأمان ، فأمنهم . 
فلما دخلها العسكر نهبوا جميع ما فيها من الأموال والدواب والغلات ، وسلبوا الناس حتى أخذوا ثيابهم ، وامتدت الأيدي إلى النساء والصبيان ، وتركوهم هلكى ، فقصدوا مدينة 
تونس  ، فأما الأقوياء فكانوا يخدمون ويعملون ما يقوم بقوتهم ، وأما الضعفاء فكانوا يستعطون ويسألون الناس ، ودخل عليهم فصل الشتاء ، فأهلكهم البرد ، ووقع فيهم الوباء 
فأحصي الموتى منهم فكانوا اثني عشر ألفا ، هذا من موضع واحد ، فما الظن بالباقي ؟ 
ولما استولى  
الملثم  على 
إفريقية  قطع خطبة أولاد  
عبد المؤمن  وخطب للإمام  
الناصر لدين الله  الخليفة العباسي ، وأرسل إليه يطلب الخلع والأعلام السود . 
وقصد   
[ ص: 13 ] في سنة اثنتين وثمانين [ وخمسمائة ] مدينة 
قفصة  فحصرها ، فأخرج أهلها 
الموحدين  من عساكر ولد  
عبد المؤمن  وسلموها إلى  
الملثم  ، فرتب فيها جندا من 
الملثمين  والأتراك ، وحصنها بالرجال مع حصانتها في البناء . 
وأما  
يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن  فإنه لما وصله الخبر اختار من عساكره عشرين ألف فارس من 
الموحدين  ، وقصد قلة العسكر لقلة القوت في البلاد ، ولما جرى فيها من التخريب والأذى ، وسار في صفر سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، فوصل إلى مدينة 
تونس  ، وأرسل ستة آلاف فارس مع ابن أخيه ، فساروا إلى  
علي بن إسحاق الملثم  ليقاتلوه ، وكان 
بقفصة  ، فوافوه ، وكان مع 
الموحدين  جماعة من الترك ، فخامروا عليهم ، فانهزم الموحدون ، وقتل جماعة من مقدميهم ، وكان ذلك في ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين . 
فلما بلغ  
يعقوب  الخبر أقام بمدينة 
تونس  إلى نصف رجب من السنة ، ثم خرج فيمن معه من العساكر يطلب  
الملثم  والأتراك  ، فوصل إليهم ، فالتقوا بالقرب من مدينة 
قابس  ، واقتتلوا ، فانهزم  
الملثم  ومن معه ، فأكثر الموحدون القتل حتى كادوا يفنونهم ، فلم ينج منهم إلا القليل ، فقصدوا البر . 
ورجع  
يعقوب  من يومه إلى 
قابس  ففتحها ، وأخذ منها  
قراقوش  وأولاده وحملهم إلى 
مراكش  ، وتوجه إلى مدينة 
قفصة  فحصرها ثلاثة أشهر ، وقطع أشجارها ، وخرب ما حولها ، فأرسل إليه الترك الذين فيها يطلبون الأمان لأنفسهم ولأهل البلد ، فأجابهم إلى ذلك . 
وخرج الأتراك منها سالمين ، وسير الأتراك إلى الثغور لما رأى من شجاعتهم ونكايتهم في العدو ، وتسلم
يعقوب  البلد ، وقتل من فيه من 
الملثمين  ، وهدم أسواره ، وترك المدينة مثل قرية ، وظهر ما أنذر به  
 nindex.php?page=showalam&ids=13026المهدي بن تومرت  ، فإنه قال إنها تخرب أسوارها وتقطع أشجارها ، وقد تقدم ذكر ذلك . 
فلما فرغ  
يعقوب  من أمر 
قفصة  ، واستقامت 
إفريقية  عاد إلى 
مراكش  ، وكان وصوله إليها سنة أربع وثمانين وخمسمائة .