ذكر 
فتح بغراس  
ثم سار عن 
درب ساك  إلى 
قلعة بغراس  ، فحصرها ، بعد أن اختلف أصحابه في حصرها ، فمنهم من أشار به ، ومنهم من نهى عنه وقال : هو حصن حصين ، وقلعة منيعة ، وهو بالقرب من 
أنطاكية  ، ولا فرق بين حصره وحصرها ، ويحتاج أن يكون أكثر العسكر في اليزك مقابل 
أنطاكية  فإذا كان الأمر كذلك قل المقاتلون عليها ، ويتعذر حينئذ الوصول إليها . 
فاستخار الله تعالى وسار إليها ، وجعل أكثر عسكره يزكا مقابل 
أنطاكية  ، يغيرون على أعمالها ، وكانوا حذرين من الخوف من أهلها ، إن غفلوا ، لقربهم منها ،  
وصلاح الدين  في بعض أصحابه على القلعة يقاتلها ، ونصب المجانيق ، فلم يؤثر فيها شيئا لعلوها وارتفاعها . 
فغلب على الظنون تعذر فتحها وتأخر ملكها ، وشق على المسلمين قلة الماء عندهم ، إلا أن  
صلاح الدين  نصب الحياض ، وأمر بحمل الماء إليها . فخفف الأمر عليهم . 
فبينما هو على هذه الحال إذ قد فتح باب القلعة ، وخرج منه إنسان يطلب الأمان ليحضر ، فأجيب إلى ذلك ، فأذن له في الحضور ، فحضر ، وطلب الأمان لمن في الحصن حتى يسلموه إليه بما فيه على قاعدة 
درب ساك  ، فأجابهم إلى ما طلبوا فعاد الرسول ومعه الأعلام الإسلامية ، فرفعت على رأس القلعة ، ونزل من فيها ، وتسلم المسلمون القلعة بما فيها من ذخائر وأموال وسلاح . 
وأمر  
صلاح الدين  بتخريبه ،   
[ ص: 58 ] فخرب ، وكان ذلك مضرة عظيمة على المسلمين ، فإن  
ابن ليون صاحب الأرمن   خرج إليه من ولايته وهو مجاوره ، فجدد عمارته وأتقنه ، وجعل فيه جماعة من عسكره يغيرون منه على البلاد ، فتأذى بهم السواد الذي 
بحلب  ، وهو إلى الآن بأيديهم .