صفحة جزء
ذكر الغارة من ابن ليون على أعمال حلب

وفي هذه السنة توالت الغارة من ابن ليون الأرمني ، صاحب الدروب ، على ولاية حلب ، فنهب وحرق ، وأسر ، وسبى ; فجمع الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف - صاحب حلب - عساكره ، واستنجد غيره من الملوك ، فجمع كثيرا من الفارس والراجل ، وسار عن حلب نحو ابن ليون .

وكان ابن ليون قد نزل في طرف بلاده مما يلي بلد حلب ، فليس إليه طريق ، لأن جميع بلاده لا طريق إليها إلا من جبال وعرة ، ومضايق صعبة ، فلا يقدر غيره على الدخول إليها ، لا سيما من ناحية حلب ، فإن الطريق منها متعذر جدا ، فنزل الظاهر على خمسة فراسخ من حلب ، وجعل على مقدمته جماعة من عسكره مع أمير كبير من مماليك أبيه ، يعرف بميمون القصري ، ينسب إلى قصر الخلفاء العلويين بمصر ، لأن أباه منهم أخذه ، فأنفذ الظاهر ميرة وسلاحا إلى حصن له مجاور لبلاد ابن ليون اسمه دربساك ، وأنفذ إلى ميمون ليرسل طائفة من العسكر الذين عنده إلى طريق هذه الذخيرة ليسيروا معها إلى دربساك ، ففعل ذلك ، وسير جماعة كثيرة من عسكره ، وبقي في قلة ، [ ص: 236 ] فبلغ الخبر إلى ابن ليون ، فجد ، فوافاه وهو مخف من العسكر فقاتله ، واشتد القتال بينهم . فأرسل ميمون إلى الظاهر يعلمه ، وكان بعيدا عنه ، فطالت الحرب بينهم ، وحمى ميمون نفسه وأثقاله على قلة من المسلمين وكثرة من الأرمن ، فانهزم المسلمون ، ونال العدو منهم ، فقتل وأسر ، وكذلك أيضا فعل المسلمون بالأرمن من كثرة القتل .

وظفر الأرمن بأثقال المسلمين فغنموها وساروا بها ، فصادفهم المسلمون الذين كانوا قد ساروا مع الذخائر ( إلى دربساك ) ، فلم يشعروا بالحال ، فلم يرعهم إلا العدو قد خالطهم ووضع السيف فيهم ، فاقتتلوا أشد قتال ، ثم انهزم المسلمون أيضا ، وعاد الأرمن إلى بلادهم بما غنموا واعتصموا بجبالهم وحصونهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية