صفحة جزء
ذكر وفاة ابن الخليفة

قي هذه السنة في العشرين من ذي القعدة ، توفي ولد الخليفة وهو الأصغر ، وكان يلقب الملك المعظم واسمه أبو الحسن علي ، وكان أحب ولدي الخليفة إليه ، وقد رشحه لولاية العهد بعده ، وعزل ولده الأكبر عن ولاية العهد واطرحه لأجل هذا الولد .

[ ص: 292 ] وكان رحمه الله ، كريما ، كثير الصدقة والمعروف حسن السيرة ، محبوبا إلى الخاص والعام ، وكان سبب موته ; أنه أصابه إسهال فتوفي ، وحزن عليه الخليفة حزنا لم يسمع بمثله حتى إنه أرسل إلى أصحاب الأطراف ينهاهم عن إنفاذ رسول إليه يعزيه بولده ، ولم يقرأ كتابا ، ولا سمع رسالة ، وانقطع ، وخلا بهمومه وأحزانه ، ورؤي عليه من الحزن والجزع ما لم يسمع بمثله .

ولما توفي أخرج نهارا ، ومشى جميع الناس بين يدي تابوته إلى تربة جدته عند قبر معروف الكرخي ، فدفن عندها ، ولما أدخل التابوت أغلقت الأبواب ، وسمع الصراخ العظيم من داخل التربة فقيل إن ذلك صوت الخليفة .

وأما العامة ببغداد فإنهم وجدوا عليه وجدا شديدا ، ودامت المناحات عليه في أقطار بغداد ليلا ونهارا ، ولم يبق ببغداد محلة إلا وفيها النوح ، ولم تبق امرأة إلا وأظهرت الحزن ، وما سمع ببغداد مثل ذلك في قديم الزمان وحديثه .

وكان موته وقت وصول رأس منكلي إلى بغداد ، فإن الموكب أمر بالخروج إلى لقاء الرأس ، فخرج الناس كافة ، فلما دخلوا بالرأس إلى رأس درب حبيب وقع الصوت بموت ابن الخليفة ، فأعيد الرأس وهذا دأب الدنيا ، لا يصفو أبدا فرحها من ترح ، وقد تخلص مصائبها من شائبة الفرح .

التالي السابق


الخدمات العلمية