صفحة جزء
ذكر حصار صاحب إربل الموصل .

قد ذكرنا اتفاق مظفر الدين كوكبري بن زين الدين على صاحب إربل ، وشهاب الدين غازي صاحب خلاط ، والمعظم عيسى صاحب دمشق ، على قصد بلاد الملك الأشرف ، فأما صاحب دمشق فإنه سار عنها مراحل يسيرة وعاد إليها ; لأن أخاه صاحب مصر أرسل إليه يتهدده إن سار عن دمشق أنه يقصدها ويحصرها ، فعاد .

وأما غازي فإنه استحصر في خلاط ، وأخذت منه كما ذكرناه .

وأما صاحب إربل فإنه جمع عسكره ، وسار إلى بلد الموصل وحصرها ، ونازلها يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة ، ظنا منه أن الملك الأشرف إذا سمع بنزوله عليها ، رحل عن خلاط ، ويخرج غازي في طلبه ، فتتخبط أحواله ، وتقوى نفس صاحب دمشق على المجيء إليهم ، فلما نازل الموصل ، كان صاحبها بدر الدين لؤلؤ قد أحكم أمورها من استخدام الجند على الأسوار ، وإظهار آلة الحصار ، وإخراج الذخائر .

وإنما قوي طمع صاحب إربل على حصر الموصل ; لأن أكثر عسكرها كان قد سار إلى الملك الأشرف إلى خلاط ، وقد قل العسكر فيها ، وكان الغلاء شديدا في البلاد جميعها ، والسعر في الموصل كل ثلاثة مكاكيك بدينار ، فلهذا السبب أقدم على حصرها ، فلما نزل عليها أقام عشرة أيام ثم رحل عنها يوم الجمعة لتسع بقين من جمادى الآخرة .

وكان سبب رحيله أنه رأى امتناع البلد عليه ، وكثرة من فيه ، وعندهم من الذخائر ما يكفيهم الزمان الكثير ، ووصل إليه خبر الملك الأشرف أنه ملك خلاط ، فانفسخ عليه كل ما كان يؤمله من صاحبها ومن دمشق ، وبقي وحده متلبسا بالأمر ، فلما وصلت الأخبار إليه بذلك ، سقط في يده ، ورأى أنه قد أخطأ الصواب ، فرحل [ ص: 387 ] عائدا إلى بلده ، وأقام على [ الزاب ] ، ومدة مقامه على الموصل لم يقاتلها ، إنما كان في بعض الأوقات يجيء بعض اليزك الذين له يقاتلون البلد ، فيخرج إليهم بعض الفرسان ، وبعض الرجالة ، فيجري بينهم قتال ليس بالكثير ثم يتفرقون ، وترجع كل طائفة إلى صاحبها .

التالي السابق


الخدمات العلمية