صفحة جزء
ذكر ملك الملك الأشرف مدينة دمشق .

وفي هذه السنة يوم الاثنين ثاني شعبان ، ملك الملك الأشرف ابن الملك العادل مدينة دمشق من ابن أخيه صلاح الدين داود بن المعظم .

وسبب ذلك ما ذكرناه أن صاحب دمشق لما خاف من عمه الملك الكامل ، أرسل إلى عمه الأشرف يستنجده ، ويستعين به على دفع الكامل عنه ، فسار إليه من البلاد الجزرية ، ودخل دمشق ، وفرح به صاحبها وأهل البلد . وكانوا قد احتاطوا ، وهم يتجهزون للحصار ، فأمر بإزالة ذلك ، وترك ما عزموا عليه من الاحتياط ، وحلف لصاحبها على المساعدة والحفظ له ولبلاده عليه ، وراسل الملك الكامل واصطلحا ، وظن صاحب دمشق أنه معهما في الصلح .

وسار الأشرف إلى أخيه الكامل ، واجتمعا في ذي الحجة من سنة خمس وعشرين ، يوم العيد ، وسار صاحب دمشق إلى بيسان وأقام بها ، وعاد الملك الأشرف من عند أخيه ، واجتمع هو وصاحب دمشق ، ولم يكن الأشرف في كثرة من العسكر ، فبينما هما جالسان في خيمة لهما ، إذ قد دخل عز الدين أيبك ، مملوك المعظم الذي كان صاحب دمشق ، وهو أكبر أمير مع ولده ، فقال لصاحبه داود : قم اخرج وإلا [ ص: 436 ] قبضت الساعة ، فأخرجه ، ولم يمكن الأشرف منعه ; لأن أيبك كان قد أركب العسكر الذي لهم جميعه ، وكانوا أكثر من الذين مع الأشرف ، فخرج داود وسار هو وعسكره إلى دمشق .

وكان سبب ذلك أن أيبك قيل له : إن الأشرف يريد القبض على صاحبه وأخذ دمشق منه ، ففعل ذلك ، فلما عادوا ، وصلت العساكر من الكامل إلى الأشرف ، وسار فنازل دمشق وحصرها ، وأقام محاصرا لها إلى أن وصل إليه الملك الكامل ، فحينئذ اشتد الحصار ، وعظم الخطب على أهل البلد ، وبلغت القلوب الحناجر .

وكان من أشد الأمور على صاحبها أن المال عنده قليل ; لأن أمواله بالكرك ، ولوثوقه بعمه الأشرف لم يحضر منها شيئا ، فاحتاج إلى أن باع حلي نسائه وملبوسهن ، وضاقت الأمور عليه ، فخرج إلى عمه الكامل وبذل له تسليم دمشق وقلعة الشوبك على أن يكون له الكرك ، والغور ، وبيسان ، ونابلس ، وأن يبقي على أيبك قلعة صرخد وأعمالها .

وتسلم الكامل دمشق ، وجعل نائبه بالقلعة إلى أن سلم إليه أخوه الأشرف حران والرها ، والرقة وسروج ، ورأس عين من الجزيرة ، فلما تسلم ذلك ، سلم قلعة دمشق إلى أخيه الأشرف ، فدخلها وأقام بها ، وسار الكامل إلى الديار الجزرية ، فأقام بها إلى أن استدعى أخاه الأشرف بسبب حصر جلال الدين بن خوارزم شاه مدينة خلاط ، فلما حضر عنده بالرقة ، عاد الكامل إلى ديار مصر ، وأما الأشرف فكان منه ما نذكره ، إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية