ذكر 
طاعة أهل أذربيجان  للتتر    . 
في أواخر هذه السنة أطاع أهل بلاد 
أذربيجان  جميعها 
للتتر  ، وحملوا إليهم الأموال والثياب الخطائي ، والخويي ، والعتابي ، وغير ذلك ، وسبب طاعتهم أن  
جلال الدين  لما انهزم على 
آمد  من 
التتر  ، وتفرقت عساكره ، وتمزقوا كل ممزق ، وتخطفهم الناس ، وفعل 
التتر  بديار بكر  والجزيرة  ، 
وإربل  وخلاط  ما فعلوا ، ولم يمنعهم   
[ ص: 451 ] أحد ، ولا وقف في وجوههم واقف ، وملوك الإسلام منجحرون في الأثقاب ، وانضاف إلى هذا انقطاع أخبار  
جلال الدين  ، فإنه لم يظهر له خبر ، ولا علموا له حالة ، سقط في أيديهم ، وأذعنوا 
للتتر  بالطاعة ، وحملوا إليهم ما طلبوا منهم من الأموال والثياب . 
من ذلك مدينة 
تبريز  التي هي أصل بلاد 
أذربيجان  ، ومرجع الجميع إليها وإلى من بها ، فإن ملك 
التتر  نزل في عساكره بالقرب منها ، وأرسل إلى أهلها يدعوهم إلى طاعته ، ويتهددهم إن امتنعوا عليه ، فأرسلوا إليه المال الكثير ، والتحف من أنواع الثياب الإبريسم وغيرها ، وكل شيء حتى الخمر ، وبذلوا له الطاعة ، فأعاد الجواب يشكرهم ، ويطلب منهم أن يحضر مقدموهم عنده ، فقصده قاضي البلد ورئيسه ، وجماعة من أعيان أهله ، وتخلف عنهم  
شمس الدين الطغرائي  ، وهو الذي يرجع الجميع إليه ، إلا أنه لا يظهر شيئا من ذلك . 
فلما حضروا عنده ، سألهم عن امتناع  
الطغرائي  من الحضور ، فقالوا : إنه رجل منقطع ، ما له بالملوك تعلق ، ونحن الأصل ، فسكت ثم طلب أن يحضروا عنده من صناع الثياب الخطائي وغيرها ، ليستعمل لملكهم الأعظم ، فإن هذا هو من أتباع ذلك الملك ، فأحضروا الصناع ، فاستعملهم في الذي أرادوا ، ووزن أهل 
تبريز  الثمن ، وطلب منهم خركاة لملكه أيضا ، فعملوا له خركاة لم يعمل مثلها ، وعملوا غشاءها من الأطلس الجيد المزركش ، وعملوا من داخلها السمور والقندز ، فجاءت عليهم بجملة كثيرة ، وقرر عليهم شيئا من المال كل سنة ، وترددت رسلهم إلى ديوان الخلافة وإلى جماعة من الملوك يطلبون منهم أنهم لا ينصرون  
خوارزم شاه     . 
ولقد وقفت على كتاب وصل من تاجر من أهل 
الري  في العام الماضي ، قبل خروج 
التتر  ، فلما وصل 
التتر  إلى 
الري  وأطاعهم أهلها ، وساروا إلى 
أذربيجان  ، سار هو معهم إلى 
تبريز  ، فكتب إلى أصحابه 
بالموصل  يقول : إن الكافر - لعنه الله - ما نقدر [ أن ] نصفه ، ولا نذكر جموعه حتى لا تنقطع قلوب المسلمين ، فإن الأمر عظيم ، ولا تظنوا أن هذه الطائفة التي وصلت إلى 
نصيبين  والخابور  ، والطائفة الأخرى التي وصلت إلى 
إربل  ودقوقا  ، كان قصدهم النهب ، إنما أرادوا أن يعلموا هل في البلاد من   
[ ص: 452 ] يردهم أم لا ، فلما عادوا ، أخبروا ملكهم بخلو البلاد من مانع ومدافع ، وأن البلاد خالية من ملك وعساكر ، فقوي طمعهم ، وهم في الربيع يقصدونكم ، وما يبقى عندكم مقام ، إلا إن كان في بلد الغرب ، فإن عزمهم على قصد البلاد جميعها ، فانظروا لأنفسكم . هذا مضمون الكتاب ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وأما  
جلال الدين  فإلى آخر سنة ثمان وعشرين [ وستمائة ] لم يظهر له خبر ، وكذلك إلى سلخ صفر سنة تسع لم نقف له على حال ، والله المستعان .