صفحة جزء
ذكر مسير خالد بن الوليد إلى العراق وصلح الحيرة [ ص: 234 ] 12

ثم دخلت سنة اثنتي عشرة

ذكر مسير خالد بن الوليد إلى العراق وصلح الحيرة

في هذه السنة في المحرم منها أرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو باليمامة يأمره بالمسير إلى العراق ، وقيل : بل قدم المدينة من اليمامة ، فسيره أبو بكر إلى العراق ، فسار حتى نزل ببانقيا وباروسما وأليس ، وصالحه أهلها . وكان الذي صالحه عليها ابن صلوبا على عشرة آلاف دينار سوى حرزة كسرى ، وكانت على كل رأس أربعة دراهم ، وأخذ منهم الجزية . ثم سار حتى نزل الحيرة ، فخرج إليه أشرافها مع إياس بن قبيصة الطائي ، وكان أميرا عليها بعد النعمان بن المنذر ، فدعاهم خالد إلى الإسلام أو الجزية أو المحاربة ، فاختاروا الجزية ، فصالحهم على تسعين ألف درهم ، فكانت أول جزية أخذت من الفرس في الإسلام هي والقريات التي صالح عليها .

وقيل : إنما أمره أبو بكر أن يبدأ بالأبلة ، وكتب إلى عياض بن غنم أن يقصد العراق ويبدأ بالمصيح ، ويدخل العراق من أعلاه ، ويسير حتى يلقى خالدا ، وكان المثنى بن حارثة الشيباني قد استأذن أبا بكر أن يغزو بالعراق فأذن له ، فكان يغزوهم قبل [ ص: 235 ] قدوم خالد ، وأمر أبو بكر خالدا وعياضا أن يستنفرا من قاتل أهل الردة ، وأن لا يغزون معهما مرتد ، ففعلا وكتبا إليه يستمدانه ، فأمد خالدا بالقعقاع بن عمرو التميمي ، فقيل له : أتمده برجل واحد ؟ فقال : لا يهزم جيش فيهم مثل هذا . وأمد عياضا بعبد بن غوث الحميري . وكتب أبو بكر إلى المثنى وحرملة ومعذور وسلمى أن يلحقوا بخالد بالأبلة . فقدم خالد ومعه عشرة آلاف مقاتل ، وكان مع المثنى وأصحابه ثمانية آلاف .

ولما قدم خالد فرق جنده ثلاث فرق ، ولم يحملهم على طريق واحد ، على مقدمته المثنى وبعده عدي بن حاتم ، وجاء خالد بعدهما ، ووعدهما الحفير ليصادموا عدوهم ، وكان ذلك الفرج أعظم فروج فارس وأشدها شوكة ، فكان صاحبه أسوار اسمه هرمز ، فكان يحارب العرب في البر والهند في البحر . فلما سمع هرمز بهم كتب إلى أردشير الملك بالخبر ، وتعجل هو إلى الكواظم في سرعان أصحابه ، فسمع أنهم تواعدوا الحفير ، فسبقهم إليه ونزل به ، وجعل على مقدمته قباذ وأنوشجان ، وكانا من أولاد أردشير الأكبر ، واقترنوا في السلاسل لئلا يفجروا ، فسمع بهم خالد ، فمال بالناس إلى كاظمة ، فسبقه هرمز إليها ، وكان سيئ المجاورة للعرب ، فكلهم عليه حنق ، وكانوا يضربونه مثلا فيقولون : أكفر من هرمز .

وقدم خالد فنزل على غير ماء فقال له أصحابه في ذلك : ما تفعل ؟ فقال لهم : لعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين ، فحطوا أثقالهم ، وتقدم خالد إلى الفرس فلاقاهم ، وأرسل الله - سبحانه - فأغدرت وراء صف المسلمين ، فقويت قلوبهم ، وخرج هرمز ودعا خالدا إلى البراز ، وأوطأ أصحابه على الغدر بخالد ، فبرز إليه خالد ومشى نحوه راجلا ، ونزل هرمز أيضا وتضاربا ، فاحتضنه خالد ، وحمل أصحاب هرمز ، فما شغله ذلك عن قتله ، وحمل القعقاع بن عمرو فأزاحهم ، وانهزم أهل فارس وركبهم المسلمون ، وسميت الوقعة ذات السلاسل ، ونجا قباذ وأنوشجان ، وأخذ خالد سلب هرمز ، وكانت قلنسوته بمائة ألف ، لأنه كان قد تم شرفه في الفرس ، وكانت هذه عادتهم ، إذا تم شرف الإنسان تكون قلنسوتة بمائة ألف . وبعث خالد بالفتح والأخماس إلى أبي بكر ، وسار حتى نزل بموضع الجسر الأعظم بالبصرة ، وبعث المثنى بن حارثة في آثارهم ، وأرسل معقل بن مقرن إلى الأبلة ففتحها ، فجمع الأموال بها والسبي .

[ ص: 236 ] وهذا القول خلاف ما يعرفه أهل النقل ؛ لأن فتح الأبلة كان على يد عتبة بن غزوان أيام عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة .

وحاصر المثنى بن حارثة حصن المرأة ، وأسلمت ، ولم يعرض خالد وأصحابه إلى الفلاحين ؛ لأن أبا بكر أمرهم بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية