ذكر 
وقعة جلولاء  وفتح حلوان  
وفي هذه السنة كانت وقعة 
جلولاء    . 
وسببها أن 
الفرس  لما انتهوا بعد الهرب من 
المدائن  إلى 
جلولاء  ، وافترقت الطرق بأهل 
أذربيجان  والباب وأهل الجبال 
وفارس  قالوا : لو افترقتم لم تجتمعوا أبدا ، وهذا مكان يفرق بيننا ، فهلموا فلنجتمع للعرب به ولنقاتلهم ، فإن كانت لنا فهو الذي نحب ، وإن كانت الأخرى كنا قد قضينا الذي علينا وأبلينا عذرا . فاحتفروا خندقا ، واجتمعوا فيه على  
مهران الرازي  ، وتقدم  
يزدجرد  إلى 
حلوان  ، وأحاطوا خندقهم بحسك الحديد إلا طرقهم . فبلغ ذلك  
سعدا  فأرسل إلى  
عمر  ، فكتب إليه  
عمر     : أن سرح  
 nindex.php?page=showalam&ids=17225هاشم بن عتبة  إلى 
جلولاء  واجعل على مقدمته  
القعقاع بن عمرو  ، وإن هزم الله 
الفرس  فاجعل  
القعقاع  بين   
[ ص: 346 ] السواد والجبل ، وليكن الجند اثني عشر ألفا . 
ففعل  
سعد  ذلك ، وسار  
هاشم  من 
المدائن  بعد قسمة الغنيمة في اثني عشر ألفا ، منهم وجوه 
المهاجرين  والأنصار  وأعلام العرب ممن كان ارتد ومن لم يرتد ، فسار من 
المدائن  فمر 
ببابل  مهروذ  ، فصالحه دهقانها على أن يفرش له جريب الأرض دراهم ففعل وصالحه ، ثم مضى حتى قدم 
جلولاء  ، فحاصرهم في خنادقهم وأحاط بهم ، وطاولهم 
الفرس  وجعلوا لا يخرجون إلا إذا أرادوا ، وزاحفهم المسلمون نحو ثمانين يوما ، كل ذلك ينصر المسلمون عليهم ، وجعلت الأمداد ترد من  
يزدجرد  إلى  
مهران  ، وأمد  
سعد  المسلمين ، وخرجت 
الفرس  وقد احتفلوا ، فاقتتلوا ، فأرسل الله عليهم الريح حتى أظلمت عليهم البلاد فتحاجزوا فسقط فرسانهم في الخندق ، فجعلوا فيه طرقا مما يليهم يصعد منه خيلهم ، فأفسدوا حصنهم . وبلغ ذلك المسلمين فنهضوا إليهم وقاتلوهم قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله ولا ليلة الهرير إلا أنه كان أعجل . وانتهى  
القعقاع بن عمرو  من الوجه الذي زحف فيه إلى باب خندقهم فأخذ به وأمر مناديا فنادى : يا معشر المسلمين ، هذا أميركم قد دخل الخندق وأخذ به ، فأقبلوا إليه ولا يمنعكم من بينكم وبينه من دخوله . وإنما أمر بذلك ليقوي المسلمين . فحملوا ولا يشكون بأن  
هاشما  في الخندق ، فإذا هم  
بالقعقاع بن عمرو  وقد أخذ به ، فانهزم المشركون عن المجال يمنة ويسرة ، فهلكوا فيما أعدوا من الحسك ، فعقرت دوابهم وعادوا رجالة ، واتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إلا من لا يعد ، وقتل يومئذ منهم مائة ألف ، فحللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه ، فسميت 
جلولاء  بما جللها من قتلاهم ، فهي 
جلولاء  الوقيعة . فسار  
القعقاع بن عمرو  في الطلب حتى بلغ خانقين . 
ولما بلغت الهزيمة  
يزدجرد  سار من 
حلوان  نحو الري ، وقدم  
القعقاع  حلوان  فنزلها في جند من الأفناء والحمراء . 
وكان 
فتح جلولاء  في ذي القعدة سنة ست عشرة .  
[ ص: 347 ] ولما سار  
يزدجرد  عن 
حلوان  استخلف عليها  
خشرشنوم  ، فلما وصل  
القعقاع  قصر شيرين  خرج عليه  
خشرشنوم  وقدم إليه  
الزينبي  دهقان 
حلوان  ، فلقيه  
القعقاع  ، فقتل  
الزينبي  ، وهرب  
خشرشنوم  ، واستولى المسلمون على 
حلوان  ، وبقي  
القعقاع  بها إلى أن تحول  
سعد  إلى 
الكوفة  ، فلحقه  
القعقاع  ، واستخلف على 
حلوان  قباذ  ، وكان أصله خرسانيا . 
وكتبوا إلى  
عمر  بالفتح وبنزول  
القعقاع  حلوان  ، واستأذنوه في اتباعهم ، فأبى وقال : لوددت أن بين السواد وبين الجبل سدا لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم ، حسبنا من الريف السواد ، إني آثرت سلامة المسلمين على الأنفال . وأدرك  
القعقاع  في اتباعه 
الفرس  مهران  بخانقين فقتله ، وأدرك  
الفيرزان  فنزل وتوغل في الجبل فتحامى ، وأصاب  
القعقاع  سبايا فأرسلهن إلى  
هاشم  فقسمهن ، فاتخذن فولدن ، وممن ينسب إلى ذلك السبي أم  
 nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي     . 
وقسمت الغنيمة ، وأصاب كل واحد من الفوارس تسعة آلاف وتسعة من الدواب . 
وقيل : إن الغنيمة كانت ثلاثين ألف ألف ، فقسمها  
سلمان بن ربيعة  ، وبعث  
سعد  بالأخماس إلى  
عمر  ، وبعث الحساب مع  
 nindex.php?page=showalam&ids=15935زياد بن أبيه  ، فكلم  
عمر  فيما جاء له ووصف له ، فقال  
عمر     : هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل ما كلمتني به ؟ فقال : والله ما على الأرض أهيب في صدري منك ، فكيف لا أقوى على هذا من غيرك ! فقام في الناس بما أصابوا وما صنعوا ، وبما يستأنفون من الانسياح في البلاد . فقال  
عمر     : هذا الخطيب المصقع . فقال : إن جندنا أطلقوا ألسنتنا . 
فلما قدم الخمس على  
عمر  قال : والله لا يجنه سقف حتى أقسمه . فبات  
 nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف   nindex.php?page=showalam&ids=172وعبد الله بن الأرقم  يحرسانه في المسجد ، فلما أصبح جاء في الناس فكشف عنه ، فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى ، فقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف     : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ فوالله إن هذا لموطن شكر ! . فقال  
عمر     : والله ما ذلك يبكيني ،   
[ ص: 348 ] وبالله ما أعطى الله هذا قوما إلا تحاسدوا وتباغضوا ، ولا تحاسدوا إلا ألقى الله بأسهم بينهم . ومنع  
عمر  من قسمة السواد ، لتعذر ذلك بسبب الآجام والغياض ومغيض المياه ، وما كان لبيوت النار ولسكك البرد ، وما كان لكسرى ومن جامعه ، وما كان لمن قتل والأرحاء ; وخاف أيضا الفتنة بين المسلمين ، ومنع من بيعه لأنه لم يقسم ، وأقروها حبيسا يولونها من أجمعوا عليه بالرضا ، وكانوا لا يجمعون إلا على الأمراء ، فلا يحل بيع شيء من أرض السواد ما بين 
حلوان  والقادسية  ، واشترى  
جرير  أرضا على 
شاطئ الفرات  ، فرد  
عمر  ذلك الشراء وكرهه .