ذكر 
خبر الخوارج عند توجيه الحكمين وخبر يوم النهر 
لما أراد  
علي  أن يبعث  
أبا موسى  للحكومة أتاه رجلان من الخوارج :  
زرعة بن البرج الطائي  ،  
وحرقوص بن زهير السعدي  ، فقالا له : لا حكم إلا لله ! ( فقال  
علي     : لا   
[ ص: 685 ] حكم إلا لله ) . وقال  
حرقوص بن زهير     : تب من خطيئتك ، وارجع عن قضيتك ، واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا . فقال  
علي     : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني ، وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتابا ، وشرطنا شروطا ، وأعطينا عليها عهودا ، وقد قال الله تعالى : ( 
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم   ) . فقال  
حرقوص     : ذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه . فقال  
علي     : ما هو ذنب ولكنه عجز عن الرأي ، وقد نهيتكم . فقال زرعة : يا  
علي     ( لئن لم تدع تحكيم ) الرجال لأقاتلنك ، اطلب وجه الله - تعالى - . فقال  
علي     : بؤسا لك ما أشقاك ! كأني بك قتيلا تسفي عليك الرياح ! قال : وددت لو كان ذلك . فخرجا من عنده يحكمان . 
وخطب  
علي  ذات يوم ، فحكمت المحكمة في جوانب المسجد ، فقال  
علي     : الله أكبر ، كلمة حق أريد بها باطل ! إن سكتوا غممناهم ، وإن تكلموا حججناهم ، وإن خرجوا علينا قاتلناهم . فوثب  
يزيد بن عاصم المحاربي  فقال : الحمد لله غير مودع ربنا ولا مستغنى عنه ! اللهم إنا نعوذ بك من إعطاء الدنية في ديننا ، فإن إعطاء الدنية في الدين ، إدهان في أمر الله ، وذل راجع بأهله إلى سخط الله ، يا  
علي  أبالقتل تخوفنا ؟ أما والله إني لأرجو أن نضربكم بها عما قليل غير مصفحات ، ثم لتعلم أينا أولى بها صليا . ثم خرج هو وإخوة له ثلاثة ، فأصيبوا مع الخوارج بالنهر ، وأصيب أحدهم ( بعد ذلك ) 
بالنخيلة    . 
ثم خطب  
علي  يوما آخر ، فقام رجل فقال : لا حكم إلا لله ! ثم توالى عدة رجال يحكمون . فقال  
علي     : الله أكبر ، كلمة حق أريد بها باطل ! أما إن لكم عندنا ثلاثا ما صحبتمونا : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نقاتلكم حتى تبدأونا ، إنما فيكم أمر الله . ثم رجع إلى مكانه من الخطبة . 
ثم إن الخوارج لقي بعضهم بعضا ، واجتمعوا في منزل  
عبد الله بن وهب الراسبي  ، فخطبهم ، فزهدهم في الدنيا ، وأمرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم قال :   
[ ص: 686 ] اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال ، أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلة . فقال له  
حرقوص بن زهير     : إن المتاع بهذه الدنيا قليل ، وإن الفراق لها وشيك ، فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها ، ولا تلفتنكم عن طلب الحق وإنكار الظلم ، ف ( 
إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون   ) . فقال  
حمزة بن سنان الأسدي     : يا قوم إن الرأي ما رأيتم ، فولوا أمركم رجلا منكم ، فإنكم لا بد لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها وترجعون إليها . فعرضوها على  
زيد بن حصين الطائي  فأبى ، وعرضوها على  
حرقوص بن زهير  فأبى ، وعلى  
حمزة بن سنان  ،  
وشريح بن أوفى العبسي  فأبيا ، وعرضوها على  
 nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب  ، فقال : هاتوها ، أما والله لا آخذها رغبة في الدنيا ، ولا أدعها فرقا من الموت . فبايعوه لعشر خلون من شوال . ( وكان يقال له ذو الثفنات ) . 
ثم اجتمعوا في منزل  
شريح بن أوفى العبسي  ، فقال  
ابن وهب     : اشخصوا بنا إلى بلدة نجتمع فيها لإنقاذ حكم الله ، فإنكم أهل الحق . قال  
شريح     : نخرج إلى المدائن فننزلها ، ونأخذها بأبوابها ، ونخرج منها سكانها ، ونبعث إلى إخواننا من أهل 
البصرة  فيقدمون علينا . فقال  
زيد بن حصين     : إنكم إن خرجتم مجتمعين اتبعتم ، ولكن اخرجوا وحدانا مستخفين ، فأما المدائن فإن بها من يمنعكم ، ولكن سيروا حتى ننزل جسر 
النهروان  ، وتكاتبوا إخوانكم من أهل 
البصرة    . قالوا : هذا الرأي . 
وكتب  
 nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب  إلى من 
بالبصرة  منهم ، يعلمونهم ما اجتمعوا عليه ، ويحثونهم على اللحاق بهم ، وسير الكتاب إليهم ، فأجابوه أنهم على اللحاق به . 
فلما عزموا على المسير تعبدوا ليلتهم ، وكانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة ، وساروا   
[ ص: 687 ] يوم السبت ، فخرج  
شريح بن أوفى العبسي  وهو يتلو قول الله تعالى : ( 
فخرج منها خائفا يترقب   ) إلى ( 
سواء السبيل   ) . وخرج معهم  
طرفة بن عدي بن حاتم الطائي  ، فاتبعه أبوه ، فلم يقدر عليه ، فانتهى إلى المدائن ثم رجع ، فلما بلغ 
ساباط  لقيه  
عبد الله بن وهب الراسبي  في نحو عشرين فارسا ، فأراد  
عبد الله  قتله ، فمنعه  
عمرو بن مالك النبهاني  ،  
وبشر بن زيد البولاني  ، وأرسل  
عدي  إلى  
سعد بن مسعود  عامل  
علي  على المدائن يحذره أمرهم ، وأخذ أبواب المدائن ، وخرج في الخيل ، واستخلف بها ابن أخيه  
 nindex.php?page=showalam&ids=8494المختار بن أبي عبيد  ، وسار في طلبهم . فأخبر  
 nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب  خبره ، فرابأ طريقه وسار على بغداد ، ولحقهم  
سعد بن مسعود  بالكرخ في خمسمائة فارس عند المساء ، فانصرف إليهم  
عبد الله  في ثلاثين فارسا ، فاقتتلوا ساعة ، وامتنع القوم منهم . 
وقال أصحاب  
سعد  لسعد     : ما تريد من قتال هؤلاء ولم يأتك فيهم أمر ؟ خلهم فليذهبوا ، واكتب إلى أمير المؤمنين فإن أمرك باتباعهم اتبعهم ، وإن كفاكهم غيرك كان في ذلك عافية لك . فأبى عليهم . فلما جن عليهم الليل خرج  
 nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب  ، فعبر دجلة إلى أرض جوخى ، وسار إلى 
النهروان  ، فوصل إلى أصحابه وقد أيسوا منه ، وقالوا : إن كان هلك ولينا الأمر  
زيد بن حصين  ، أو  
حرقوص بن زهير     . 
وسار جماعة من أهل الكوفة يريدون الخوارج ليكونوا معهم ، فردهم أهلوهم كرها ، منهم :  
القعقاع بن قيس الطائي     - عم  
الطرماح بن حكيم     - ،  
وعبد الله بن حكيم بن عبد الرحمن البكائي  ، وبلغ  
عليا  أن  
سالم بن ربيعة العبسي  يريد الخروج ، فأحضره عنده ونهاه فانتهى . 
ولما خرجت الخوارج من 
الكوفة  أتى  
عليا  أصحابه وشيعته فبايعوه وقالوا : نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت . فشرط لهم فيه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه  
ربيعة بن أبي شداد الخثعمي  ، وكان شهد معه 
الجمل  وصفين  ، ومعه راية 
خثعم  ، فقال له : بايع على كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال  
ربيعة     : على سنة  
أبي بكر  وعمر     . قال له  
علي     : ويلك ! لو أن  
أبا بكر  وعمر  عملا بغير كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونا على شيء من الحق . فبايعه . فنظر إليه  
علي  وقال : أما والله لكأني بك وقد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت ، وكأني بك وقد وطئتك الخيل بحوافرها . فقتل يوم النهر مع خوارج 
البصرة    . 
وأما خوارج 
البصرة  فإنهم اجتمعوا في خمسمائة رجل ، وجعلوا عليهم  
مسعر بن   [ ص: 688 ] فدكي التميمي  ، فعلم بهم  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  فأتبعهم  
 nindex.php?page=showalam&ids=11822أبا الأسود الدؤلي  ، فلحقهم بالجسر الأكبر ، فتوافقوا حتى حجز بينهم الليل ، وأدلج مسعر بأصحابه ، وأقبل يعترض الناس ، وعلى مقدمته  
الأشرس بن عوف الشيباني  ، وسار حتى لحق  
بعبد الله بن وهب  بالنهر . 
فلما خرجت الخوارج وهرب  
أبو موسى  على 
مكة  ورد  
علي   nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  إلى 
البصرة  ، قام في 
الكوفة  فخطبهم فقال : الحمد لله ، وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدثان الجليل ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن 
محمدا رسول الله    . أما بعد فإن المعصية تورث الحسرة وتعقب الندم ، وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة أمري ، ونحلتكم رأيي ( لو كان لقصير أمر ) ، ولكن أبيتم إلا ما أردتم ، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو  
هوازن     : 
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد 
إلا أن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله ، فحكما بغير حجة بينة ، ولا سنة ماضية ، واختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يرشد ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين ، استعدوا وتأهبوا للمسير إلى 
الشام  ، وأصبحوا في معسكرهم - إن شاء الله - يوم الاثنين . 
ثم نزل ، وكتب إلى الخوارج بالنهر : بسم الله الرحمن الرحيم ، من  
عبد الله  علي  أمير المؤمنين ، إلى  
زيد بن حصين  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=16472وعبد الله بن وهب  ، ومن معهما من الناس . أما بعد ، فإن هذين الرجلين اللذين ارتضينا حكمين قد خالفا كتاب الله ، واتبعا هواهما بغير هدى من الله ، فلم يعملا بالسنة ، ولم ينفذا القرآن حكما ، فبرئ الله منهما ورسوله والمؤمنون ، فإذا بلغكم كتابي هذا فأقبلوا إلينا ، فإنا سائرون إلى عدونا وعدوكم ، ونحن   
[ ص: 689 ] على الأمر الأول الذي كنا عليه . 
فكتبوا إليه : أما بعد فإنك لم تغضب لربك ، وإنما غضبت لنفسك ، فإن شهدت على نفسك بالكفر ، واستقبلت التوبة ، نظرنا فيما بيننا وبينك ، وإلا فقد نبذناك على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين . 
فلما قرأ كتابهم أيس منهم ، ورأى أن يدعهم ويمضي بالناس حتى يلقى أهل 
الشام  فيناجزهم ، فقام في أهل الكوفة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإنه من ترك الجهاد في الله وأدهن في أمره ، كان على شفا هلكة ، إلا أن يتداركه الله بنعمته ، فاتقوا الله ، وقاتلوا من حاد الله ورسوله ، وحاول أن يطفئ نور الله ، فقاتلوا الخاطئين الضالين القاسطين الذين ليسوا بقراء القرآن ، ولا فقهاء في الدين ، ولا علماء في التأويل ، ولا لهذا الأمر بأهل في سابقة الإسلام ، والله لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال  
 nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى  وهرقل  ، تيسروا للمسير إلى عدوكم من أهل المغرب ، وقد بعثنا إلى إخوانكم من أهل 
البصرة  ليقدموا عليكم ، فإذا اجتمعتم شخصنا - إن شاء الله - ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . 
وكتب إلى  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس     : أما بعد ، فإنا خرجنا إلى معسكرنا 
بالنخيلة  ، وقد أجمعنا على المسير إلى عدونا من أهل المغرب ، فاشخصإلى الناس حتى يأتيك رسولي ، وأقم حتى يأتيك أمري ، والسلام عليك . 
فقرأ  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  الكتاب على الناس ، وندبهم مع  
 nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس  ، فشخص ألف وخمسمائة ، فخطبهم وقال : يا أهل 
البصرة  أتاني كتاب أمير المؤمنين ، فأمرتكم بالنفير إليه ، فلم يشخصمنكم إليه إلا ألف وخمسمائة ، وأنتم ستون ألف مقاتل سوى أبنائكم وعبيدكم ! ألا انفروا إليه مع  
جارية بن قدامة السعدي  ، ولا يجعلن رجل على نفسه سبيلا ، فإني موقع بكل من وجدته متخلفا عن دعوته ، عاصيا لإمامه ، فلا يلومن رجل إلا نفسه .  
[ ص: 690 ] فخرج  
جارية  ، فاجتمع إليه ألف وسبعمائة ، فوافوا  
عليا  وهم ثلاثة آلاف ومائتان ، فجمع إليه رءوس أهل الكوفة ورءوس الأسباع ووجوه الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أهل الكوفة أنتم إخواني وأنصاري وأعواني على الحق ، وأصحابي إلى جهاد المحلين ، بكم أضرب المدبر ، وأرجو تمام طاعة المقبل ، وقد استنفرت أهل 
البصرة  فأتاني منهم ثلاثة آلاف ومائتان ، فليكتب لي رئيس كل قبيلة ما في عشيرته من المقاتلة وأبناء المقاتلة الذين أدركوا القتال وعبدان عشيرته ومواليهم ، ويرفع ذلك إلينا . 
فقام إليه  
سعيد بن قيس الهمداني  فقال : يا أمير المؤمنين سمعا وطاعة ، أنا أول الناس أجاب ما طلبت . وقام  
معقل بن قيس  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=76وعدي بن حاتم  ،  
وزياد بن خصفة  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=1972وحجر بن عدي  ، وأشراف الناس والقبائل ، فقالوا مثل ذلك ، وكتبوا إليه ما طلب ، وأمروا أبناءهم وعبيدهم أن يخرجوا معهم ، ولا يتخلف منهم متخلف ، فرفعوا إليه أربعين ألف مقاتل ، وسبعة عشر ألفا من الأبناء ممن أدرك ، وثمانية آلاف من مواليهم وعبيدهم ، وكان جميع أهل الكوفة خمسة وستين ألفا سوى أهل 
البصرة  ، وهم ثلاثة آلاف ومائتا رجل . 
وكتب إلى  
سعد بن مسعود  بالمدائن يأمره بإرسال من عنده من المقاتلة . 
وبلغ  
عليا  أن الناس يقولون : لو سار بنا إلى قتال هذه الحرورية ، فإذا فرغنا منهم توجهنا إلى قتال المحلين ! فقال لهم : بلغني أنكم قلتم كيت وكيت ! وإن غير هؤلاء الخارجين أهم إلينا ! فدعوا ذكرهم ، وسيروا إلى قوم يقاتلونكم ، كيما يكونوا جبارين ملوكا ، ويتخذوا عباد الله خولا . فناداه الناس : أن سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت . وقام إليه  
صيفي بن فسيل الشيباني  فقال : يا أمير المؤمنين نحن حزبك وأنصارك ، نعادي من عاداك ، ونشايع من أناب إلى طاعتك من كانوا وأينما كانوا ، فإنك - إن شاء الله - لن تؤتى من قلة عدد وضعف نية أتباع .