صفحة جزء
ذكر إرادة معاوية نقل المنبر من المدينة

وفي هذه السنة أمر معاوية بمنبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحمل من المدينة إلى الشام ، وقال : لا يترك هو وعصا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بالمدينة وهم قتلة عثمان ، وطلب العصا ، وهو عند سعد القرظ ، فحرك المنبر فكسفت الشمس حتى رؤيت النجوم بادية ، فأعظم الناس ذلك ، فتركه . وقيل أتاه جابر وأبو هريرة وقالا له : يا أمير المؤمنين لا يصلح أن تخرج منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من موضع وضعه ، ولا تنقل عصاه إلى الشام ، فانقل المسجد ، فتركه ، وزاد فيه ست درجات واعتذر مما صنع .

فلما ولي عبد الملك بن مروان هم بالمنبر ، فقال له قبيصة بن ذؤيب : أذكرك الله أن تفعل ! إن معاوية حركه فكسفت الشمس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من حلف على منبري [ آثما ] فليتبوأ مقعده من النار ، فتخرجه من المدينة وهو مقطع الحقوق عندهم بالمدينة ! فتركه عبد الملك .

فلما كان الوليد ابنه وحج هم بذلك ، فأرسل سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبد [ ص: 62 ] العزيز فقال : كلم صاحبك لا يتعرض للمسجد ولا لله والسخط له ، فكلمه عمر فتركه .

ولما حج سليمان بن عبد الملك أخبره عمر بما كان من الوليد ، فقال سليمان : ما كنت أحب أن يذكر عن أمير المؤمنين عبد الملك هذا ولا عن الوليد ، ما لنا ولهذا ! أخذنا الدنيا فهي في أيدينا ونريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام يوفد إليه فنحمله إلى ما قبلنا ! هذا ما لا يصلح !

وفيها عزل معاوية بن حديج السكوني عن مصر ووليها مسلمة بن مخلد مع إفريقية ، وكان معاوية بن أبي سفيان بعث قبل أن يولي مسلمة إفريقية ومصر عقبة بن نافع إلى إفريقية ، وكان اختط قيروانها ، وكان موضعه غيضة لا ترام من السباع والحيات وغيرها ، فدعا الله عليها فلم يبق منها شيء إلا خرج هاربا حتى إن كانت السباع لتحمل أولادها ، وبنى الجامع . فلما عزل معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج السكوني عن مصر عزل عقبة عن إفريقية وجمعها لمسلمة بن مخلد ، فهو أول من جمع له المغرب مع مصر ، فولى مسلمة إفريقية مولى له يقال له أبو المهاجر ، فلم يزل عليها حتى هلك معاوية بن أبي سفيان .

التالي السابق


الخدمات العلمية