صفحة جزء
ذكر بعض سيرته وأخباره

قال محمد بن عبيد الله بن عمرو العتبي : نظر معاوية ومعه امرأته ابنة قرظة إلى يزيد وأمه ترجله ، فلما فرغت منه قبلته ، فقالت ابنة قرظة : لعن الله سواد ساقي أمك ! فقال معاوية : أما والله لما تفرجت عنه وركاها خير مما تفرجت عنه وركاك ! وكان لمعاوية من ابنة قرظة عبد الله ، وكان أحمق ، فقالت : لا والله ولكنك تؤثر هذا . فقال : سوف أبين لك ذلك ، فأمر فدعي له عبد الله ، فلما حضر قال : أي بني إني أردت أن أعطيك ما أنت أهله ولست بسائل شيئا إلا أجبتك إليه . فقال : حاجتي أن تشتري لي كلبا فارها وحمارا . فقال : أي بني ، أنت حمار وأشتري لك حمارا ! قم فاخرج .

ثم أحضر يزيد وقال له مثل قوله لأخيه ، فخر ساجدا ثم قال حين رفع رأسه : الحمد لله الذي بلغ أمير المؤمنين هذه المدة وأراه في هذا الرأي ، حاجتي أن تعتقني من النار لأن من ولي أمر الأمة ثلاثة أيام أعتقه الله من النار ، فتعقد لي العهد بعدك ، وتوليني العام الصائفة ، وتأذن لي في الحج إذا رجعت ، وتوليني الموسم ، وتزيد لأهل الشام كل رجل عشرة دنانير ، ( وتفرض لأيتام بني جمح وبني سهم وبني عدي لأنهم حلفائي ) .

فقال معاوية : قد فعلت ، وقبل وجهه .

فقال لامرأته ابنة قرظة : كيف رأيت ؟ قالت : أوصه به يا أمير المؤمنين . ففعل .

[ ص: 224 ] وقال عمر بن سبينة : حج يزيد في حياة أبيه ، فلما بلغ المدينة جلس على شراب له ، فاستأذن عليه ابن عباس والحسين ، فقيل له : إن ابن عباس إن وجد ريح الشراب ( عرفه ، فحجبه وأذن للحسين ، فلما دخل وجد رائحة الشراب ) مع الطيب فقال : لله در طيبك ما أطيبه ! فما هذا ؟ قال : هو طيب يصنع بالشام ، ثم دعا بقدح فشربه ، ثم دعا بآخر فقال : اسق أبا عبد الله .

فقال له الحسين : عليك شرابك أيها المرء لا عين عليك مني ، فقال يزيد :


ألا يا صاح للعجب دعوتك ولم تجب     إلى الفتيات والشهوات
والصهباء والطرب     باطية مكلله
عليها سادة العرب     وفيهن التي تبلت
فؤادك ثم لم تثب



فنهض الحسين وقال : بل فؤادك يا ابن معاوية تبلت .

وقال شفيق بن سلمة : لما قتل الحسين ثار عبد الله بن الزبير فدعا ابن عباس إلى بيعته ، فامتنع وظن يزيد أن امتناعه تمسك منه ببيعته ، فكتب إليه : أما بعد فقد بلغني أن الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته وأنك اعتصمت ببيعتنا وفاء منك لنا ، فجزاك الله من ذي رحم خير ما يجزي الواصلين لأرحامهم الموفين بعهودهم ، فما أنس من الأشياء فلست بناس برك وتعجيل صلتك بالذي أنت له أهل ، فانظر من طلع عليك من الآفاق ممن سحرهم ابن الزبير بلسانه فأعلمهم بحاله فإنهم منك أسمع الناس ولك أطوع منهم للمحل .

فكتب إليه ابن عباس : أما بعد فقد جاءني كتابك ، فأما تركي بيعة ابن الزبير فوالله ما أرجو بذلك برك ولا حمدك ، ولكن الله بالذي أنوي عليم ، وزعمت أنك لست بناس بري ، فاحبس أيها الإنسان برك عني فإني حابس عنك بري ، وسألت أن أحبب الناس إليك وأبغضهم وأخذلهم لابن الزبير ، فلا ولا سرور ولا كرامة ، كيف وقد قتلت حسينا وفتيان عبد المطلب مصابيح الهدى ونجوم الأعلام غادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحد مرملين بالدماء ، مسلوبين بالعراء ، ( مقتولين بالظماء ، لا مكفنين ولا [ ص: 225 ] موسدين ) ، تسفي عليهم الرياح ، وينشى بهم عرج البطاح ، حتى أتاح الله بقوم لم يشركوا في دمائهم كفنوهم وأجنوهم ، وبي وبهم لو عززت وجلست مجلسك الذي جلست ، فما أنس من الأشياء فلست بناس اطرادك حسينا من حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حرم الله ، وتسييرك الخيول إليه ، فما زلت بذلك حتى أشخصته إلى العراق ، فخرج خائفا يترقب ، فنزلت به خيلك عداوة منك لله ولرسوله ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فطلب إليكم الموادعة وسألكم الرجعة ، فاغتنمتم قلة أنصاره واستئصال أهل بيته وتعاونتم عليه كأنكم قتلتم أهل بيت من الشرك والكفر ، فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودي وقد قتلت ولد أبي وسيفك يقطر من دمي وأنت أحد ثأري ولا يعجبك أن ظفرت بنا اليوم فلنظفرن بك يوما ، والسلام .

( قال الشريف أبو يعلى حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر العلوي ، وقد جرى عنده ذكر يزيد : أنا لا أكفر يزيد لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني سألت الله أن لا يسلط على بني أحدا من غيرهم ، فأعطاني ذلك ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية