صفحة جزء
ذكر مقتل عمرو بن سعد وغيره ممن شهد قتل الحسين

ثم إن المختار قال يوما لأصحابه : لأقتلن غدا رجلا عظيم القدمين ، غائر العينين ، مشرف الحاجبين ، يسر قتله المؤمنين والملائكة المقربين . وكان عنده الهيثم بن الأسود النخعي ، فعلم أنه يعني عمرو بن سعد ، فرجع إلى منزله ، وأرسل إلى عمرو مع ابنه العريان يعرفه ذلك ، فلما قاله له قال : جزى الله أباك خيرا ، كيف يقتلني بعد العهود والمواثيق ؟ وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة أكرم الناس على المختار لقرابته بعلي ، وكلمه عمرو بن سعد ليأخذ له أمانا من المختار ، ففعل وكتب له المختار أمانا ، وشرط فيه أن لا يحدث ، وعنى بالحدث دخول الخلاء .

ثم إن عمرو بن سعد خرج من بيته بعد عود العريان عنه ، فأتى حمامه ، فأخبر مولى له بما كان منه وبأمانه . فقال له مولاه : وأي حدث أعظم مما صنعت ؟ تركت أهلك ورحلك وأتيت إلى هاهنا ، ارجع ولا تجعل عليك سبيلا . فرجع وأتى المختار فأخبره بانطلاقه ، فقال : كلا ، إن في عنقه سلسلة سترده . وأصبح المختار فبعث إليه أبا عمرة فأتاه وقال : أجب الأمير . فقام عمرو فعثر في جبة له ، فضربه أبو عمرة بسيفه فقتله ، وأخذ رأسه فأحضره عند المختار . فقال المختار لابنه حفص بن عمرو وهو جالس عنده : أتعرف من هذا . قال : نعم ، ولا خير في العيش بعده ! فأمر به فقتل ، وقال المختار : هذا بحسين ، وهذا بعلي بن الحسين ، ولا سواء ، والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله .

وكان السبب في تهيج المختار على قتله أن يزيد بن شراحيل الأنصاري أتى محمد بن الحنفية ، وسلم عليه ، وجرى الحديث إلى أن تذاكرا المختار ، فقال ابن الحنفية : إنه يزعم أنه لنا شيعة ، وقتلة الحسين عنده على الكراسي يحدثونه .

[ ص: 313 ] فلما عاد يزيد أخبر المختار بذلك ، فقتل عمرو بن سعد ، وبعث برأسه ورأس ابنه إلى ابن الحنفية ، وكتب إليه يعلمه أنه قد قتل من قدر عليه ، وأنه في طلب الباقين ممن حضر قتل الحسين .

قال عبد الله بن شريك : أدركت أصحاب الأردية المعلمة ، وأصحاب البرانس السود من أصحاب السواري ، إذا مر بهم عمرو بن سعد قالوا : هذا قاتل الحسين ، وذلك قبل أن يقتله . وقال ابن سيرين : قال علي لعمرو بن سعد : كيف كنت إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار ؟

ثم إن المختار أرسل إلى حكيم بن طفيل الطائي ، وكان أصاب سلب العباس بن علي ورمى الحسين بسهم ، وكان يقول : تعلق سهمي بسرباله وما ضره . فأتاه أصحاب المختار فأخذوه ، وذهب أهله فشفعوا بعدي بن حاتم ، فكلمهم عدي فيه ، فقالوا : ذلك إلى المختار . فمضى عدي إلى المختار ليشفع فيه ، وكان المختار قد شفعه في نفر من قومه أصابهم يوم جبانة السبيع ، فقالت الشيعة : إنا نخاف أن يشفعه المختار فيه ، فقتلوه رميا بالسهام كما رمى الحسين حتى صار كأنه القنفذ ، ودخل عدي بن حاتم على المختار ، فأجلسه معه ، فشفع فيه عدي ، فقال المختار : أتستحل أن تطلب في قتلة الحسين ؟ فقال عدي : إنه مكذوب عليه . قال : إذا ندعه لك .

فدخل ابن كامل فأخبر المختار بقتله ، فقال : ما أعجلكم إلى ذلك ؟ ألا أحضرتموه عندي ؟ وكان قد سره قتله . فقال ابن كامل : غلبتني عليه الشيعة . فقال عدي لابن كامل : كذبت ، ولكن ظننت أن من هو خير منك سيشفعني فقتلته . فسبه ابن كامل ، فنهاه المختار عن ذلك .

وبعث المختار إلى قاتل علي بن الحسين ، وهو مرة بن منقذ من عبد القيس ، وكان شجاعا ، فأحاطوا بداره ، فخرج إليهم على فرسه وبيده رمحه ، فطاعنهم ، فضرب على يده وهرب منهم فنجا ، ولحق بمصعب بن الزبير ، وشلت يده بعد ذلك .

وبعث المختار إلى زيد بن رقاد الجنبي ، كان يقول : لقد رميت فتى منهم بسهم وكفه على جبهته يتقي النبل ، فأثبت كفه في جبهته فما استطاع أن يزيل كفه عن جبهته - وكان ذلك الفتى عبد الله بن مسلم بن عقيل - وإنه قال حين رميته : اللهم إنهم استقلونا واستذلونا ، فاقتلهم كما قتلونا . ثم إنه رمى الغلام بسهم آخر وكان يقول : جئته [ ص: 314 ] وهو ميت ، فنزعت سهمي الذي قتلته به من جوفه ، فلم أزل أنضنضه من جبهته حتى أخذته وبقي النصل ، فلما أتاه أصحاب المختار خرج إليهم بالسيف ، فقال لهم ابن كامل : لا تطعنوه ولا تضربوه بالسيف ، ارموه بالنبل والحجارة . ففعلوا ذلك به ، فسقط ، فأحرقوه حيا .

وطلب المختار سنان بن أنس الذي كان يدعي قتل الحسين ، فرآه قد هرب إلى البصرة ، فهدم داره .

وطلب عبد الله بن عقبة الغنوي ، فوجده قد هرب إلى الجزيرة ، فهدم داره ، وكان قد قتل منهم غلاما . وطلب آخر من بني أسد يقال له حرملة بن الكاهن ، كان قد قتل رجلا من أهل الحسين ، ففاته .

وطلب أيضا رجلا من خثعم اسمه عبد الله بن عروة الخثعمي ، كان يقول : رميت فيهم باثني عشر سهما . ففاته ولحق بمصعب بن الزبير ، فهدم داره .

وطلب أيضا عمرو بن الصبيح الصدائي ، كان يقول : لقد طعنت فيهم وجرحت ، وما قتلت منهم أحدا . فأتي ليلا فأخذ ، وأحضر عند المختار ، فأمر بإحضار الرماح ، وطعن بها حتى مات .

وأرسل إلى محمد بن الأشعب ، وهو في قرية له إلى جنب القادسية ، فطلبوه فلم يجدوه ، وكان قد هرب إلى مصعب ، فهدم المختار داره ، وبنى بلبنها وطينها دار حجر بن عدي الكندي ، كان زياد قد هدمها .

( بحير بن ريسان بفتح الباء الموحدة ، وكسر الحاء المهملة . شبام بكسر الشين المعجمة ، والباء الموحدة : بطن من همدان ، وهمدان بسكون الميم ، وبالدال المهملة . وسعر بكسر السين المهملة . وأحمر بن شميط بالحاء المهملة ، والراء المهملة ، وشميط بالشين المعجمة . وشبث بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة . جبانة أثير [ ص: 315 ] بضم الهمزة ، وبالثاء المثلثة ، وبالياء المثناة من تحت ، وبالراء المهملة . عتيبة بن النهاس بالعين المهملة ، وبالتاء المثناة من فوق ، ثم بالياء المثناة من تحت ، وبالياء الموحدة . حسان بن فائد بالفاء ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية