صفحة جزء
[ ص: 412 ] 74

ثم دخلت سنة أربع وسبعين

في هذه السنة عزل عبد الملك طارقا عن المدينة ، واستعمل عليها الحجاج ، فأقام بها شهرا ، وفعل بالصحابة ما تقدم ذكره ، وخرج عنها معتمرا .

وفيها هدم الحجاج بناء الكعبة الذي كان ابن الزبير بناه ، وأعادها إلى البناء الأول ، وأخرج الحجر منها ، وكان عبد الملك يقول : كذب ابن الزبير على عائشة في أن الحجر من البيت ، فلما قيل له : قال غير ابن الزبير : إنها روت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : وددت أني تركته وما يحمل .

وفيها استقضى عبد الملك أبا إدريس الخولاني .

ذكر ولاية المهلب حرب الأزارقة

لما استعمل عبد الملك أخاه بشرا على البصرة سار إليها ، فأتاه كتاب عبد الملك يأمره أن يبعث المهلب إلى حرب الأزارقة في أهل البصرة ووجوههم ، وكان ينتخب منهم من أراد أن يتركه وراءه في الحرب ، وأمره أن يبعث من أهل الكوفة رجلا شريفا معروفا بالبأس والنجدة والتجربة في جيش كثيف إلى المهلب ، وأمرهم أن يتبعوا الخوارج أين كانوا حتى يهلكوهم .

فأرسل المهلب جديع بن سعيد بن قبيصة ، وأمره أن ينتخب الناس من الديوان ، [ ص: 413 ] وشق على بشر أن إمرة المهلب جاءت من [ قبل ] عبد الملك ، فأوغرت صدره عليه حتى كأنه أذنب إليه ، فدعا عبد الرحمن بن مخنف فقال له : قد عرفت منزلتك عندي ، وقد رأيت أن أوليك هذا الجيش الذي أسيره من الكوفة للذي عرفته منك ، فكن عند أحسن ظني بك ، وانظر إلى هذا الكذا كذا ، يقع في المهلب ، فاستبد عليه بالأمر ، ولا تقبلن له مشورة ولا رأيا ، وتنقصه .

قال عبد الرحمن : فترك أن يوصيني بالجيش ، وقتال العدو ، والنظر لأهل الإسلام ، وأقبل يغريني بابن عمي كأني من السفهاء ، ما رأيت شخصا مثلي طمع منه في مثل هذا ، قال : فلما رأى أني لست بنشيط إلى جوابه قال لي : ما لك ؟ قلت : أصلحك الله ، وهل يسعني إلا إنفاذ أمرك فيما أحببت وكرهت !

وسار المهلب حتى نزل رامهرمز ، فلقي بها الخوارج فخندق عليه ، وأقبل عبد الرحمن في أهل الكوفة ومعه بشر بن جرير ، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس ، وإسحاق بن محمد بن الأشعث ، وزحر بن قيس ، فسار حتى نزل على ميل من المهلب ، حيث يتراءى العسكران برامهرمز ، فلم يلبث العسكر إلا عشرا حتى أتاهم نعي بشر بن مروان ، توفي بالبصرة ، فتفرق ناس كثير من أهل البصرة وأهل الكوفة ، واستخلف بشر على البصرة خالد بن عبد الله بن خالد ، وكان خليفته على الكوفة عمرو بن حريث .

وكان الذين انصرفوا من أهل الكوفة زحر بن قيس ، وإسحاق بن محمد بن الأشعث ، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعيد ، فأتوا الأهواز ، فاجتمع بها ناس كثير ، فبلغ ذلك خالد بن عبد الله ، فكتب إليهم يأمرهم بالرجوع إلى المهلب ، ويهددهم - إن لم يفعلوا - بالضرب والقتل ، ويحذرهم عقوبة عبد الملك ، فلما قرأ الرسول من الكتاب عليهم سطرا أو سطرين قال زحر : أوجز ، فلما فرغ من قراءته لم يلتفت الناس إليه ، وأقبل زحر ومن معه حتى نزلوا إلى جانب الكوفة ، وأرسل إلى عمرو بن حريث : إن النفر لما بلغهم وفاة الأمير تفرقوا ، فأقبلنا إلى مصرنا وأحببنا ألا ندخل إلا بإذن الأمير . فكتب إليهم ينكر عليهم عودهم ، ويأمرهم بالرجوع إلى المهلب ، ولم يأذن لهم في دخول الكوفة ، فانتظروا الليل ثم دخلوا إلى بيوتهم ، فأقاموا حتى قدم الحجاج أميرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية