صفحة جزء
ذكر قتل ذاهر ملك السند

في هذه السنة قتل محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي ، - يجتمع هو والحجاج في الحكم - ، ذاهر بن صعصعة ملك السند ، وملك بلاده ، وكان الحجاج بن يوسف استعمله على ذلك الثغر وسير معه ستة ألاف مقاتل ، وجهزه بكل ما يحتاج إليه حتى المسال والإبر والخيوط ، فسار محمد إلى مكران فأقام بها أياما ، ثم أتى قنزبور ففتحها ، ثم سار إلى أرمائيل ففتحها ، ثم سار إلى الديبل ، فقدمها يوم جمعة ، ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة ، فخندق حين نزل الديبل ، وأنزل الناس منازلهم ، ونصب منجنيقا يقال له العروس ، كان يمد به خمسمائة رجل ، وكان بالديبل بد عظيم عليه دقل عظيم ، وعلى الدقل راية حمراء ، إذا هبت الريح أطافت بالمدينة ، [ ص: 19 ] وكانت تدور ، والبد صنم في بناء عظيم ، تحت منارة عظيمة مرتفعة ، وفي رأس المنارة هذا الدقل ، وكل ما يعبد فهو عندهم بد .

فحصرها وطال حصارها ، فرمى الدقل بحجر العروس فكسره ، فتطير الكفار بذلك ، ثم إن محمدا أتى وناهضهم وقد خرجوا إليه ، فهزمهم حتى ردهم إلى البلد ، وأمر بالسلاليم فنصبت ، وصعد عليها الرجال ، وكان أولهم صعودا رجل من مراد من أهل الكوفة ، ففتحت عنوة ، وقتل فيها ثلاثة أيام ، وهرب عامل ذاهر عنها ، وأنزلها محمد أربعة آلاف من المسلمين ، وبنى جامعها ، وسار عنها إلى البيرون ، وكان أهلها بعثوا إلى الحجاج فصالحوه ، فلقوا محمدا بالميرة وأدخلوه مدينتهم ، وسار عنها وجعل لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى عبر نهرا دون مهران ، فأتاه أهل سربيدس فصالحوه ، ووظف عليهم الخراج وسار عنهم إلى سهبان ففتحها ، ثم سار إلى نهر مهران فنزل في وسطه .

وبلغ خبره ذاهر ، فاستعد لمحاربته ، وبعث جيشا إلى سدوستان ، فطلب أهلها الأمان والصلح ، فآمنهم ووظف عليهم الخراج ، ثم عبر محمد مهران مما يلي بلاد راسل الملك على جسر عقده ، وذاهر مستخف به ، فلقيه محمد والمسلمون وهو على فيل وحوله الفيلة ، ومعه التكاكرة ، فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع بمثله ، وترجل ذاهر ، فقتل عند المساء ، ثم انهزم الكفار ، وقتلهم المسلمون كيف شاءوا ، وقال قاتله :

الخيل تشهد يوم ذاهر والقنا ومحمد بن القاسم بن محمد أني فرجت الجمع غير معرد حتى علوت عظيمهم بمهند فتركته تحت العجاج مجندلا متعفر الخدين غير موسد فلما قتل ذاهر غلب محمد على بلاد السند ، وفتح مدينة راور عنوة ، وكان بها [ ص: 20 ] امرأة لذاهر ، فخافت أن تؤخذ ، فأحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها .

ثم سار إلى برهمناباذ العتيقة ، وهي على فرسخين من المنصورة ، ولم تكن المنصورة يومئذ ، كان موضعها غيضة ، وكان المنهزمون من الكفار بها ، فقاتلوه ففتحها محمد عنوة ، وقتل بها بشرا كثيرا وخربت .

وسار يريد الرور وبغرور ، فلقيه أهل ساوندرى فطلبوا الأمان ، فأعطاهم إياه ، واشترط عليهم ضيافة المسلمين ، ثم أسلم أهلها بعد ذلك . ثم تقدم إلى بسمد وصالح أهلها ، ووصل إلى الرور ، وهي من مدائن السند على جبل ، فحصرهم شهورا فصالحوه ، وسار إلى السكة ففتحها ، ثم قطع نهر بياس إلى الملتان ، فقاتله أهلها وانهزموا ، فحصرهم محمد ، فجاءه إنسان ودله على قطع الماء الذي يدخل المدينة فقطعه ، فعطشوا فألقوا بأيديهم ونزلوا على حكمه ، فقتل المقاتلة ، وسبى الذرية وسدنة البد ، وهم ستة آلاف ، وأصابوا ذهبا كثيرا ، فجمع في بيت طوله عشرة أذرع وعرضه ثمانية أذرع يلقى إليه من كوة في وسطه ، فسميت الملتان : فرج بيت الذهب ، والفرج الثغر ، وكان بد الملتان تهدى إليه الأموال ، ويحج من البلاد ، ويحلقون رءوسهم ولحاهم عنده ، ويزعمون أن صنمه هو أيوب النبي صلى الله عليه وسلم .

وعظمت فتوحه ، ونظر الحجاج في النفقة على ذلك الثغر ، فكانت ستين ألف ألف درهم ، ونظر في الذي حمل فكان مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف ، فقال : ربحنا ستين ألفا ، وأدركنا ثأرنا ورأس ذاهر .

ثم مات الحجاج ، ونذكر أمر محمد عند موت الحجاج إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية