صفحة جزء
[ ص: 23 ] 90

ثم دخلت سنة تسعين

ذكر فتح بخارى

قد ذكرنا ورود كتاب الحجاج إلى قتيبة يأمره بالتوبة عن انصرافه عن وردان خذاه ملك بخارى ، ويعرفه الموضع الذي يأتي بلده منه ، فلما ورد الكتاب على قتيبة خرج غازيا إلى بخارى سنة تسعين ، فاستجاش وردان خذاه بالصغد والترك من حوله فأتوه ، وقد سبق إليها قتيبة فحصرها ، فلما جاءتهم أمدادهم خرجوا إلى المسلمين يقاتلونهم ، فقالت الأزد : اجعلونا ناحية وخلوا بيننا وبين قتالهم . فقال قتيبة : تقدموا ، فتقدموا وقاتلوهم قتالا شديدا ، ثم إن الأزد انهزموا حتى دخلوا العسكر ، وركبهم المشركون فحطموهم حتى أدخلوهم عسكرهم ، وجازوه حتى ضرب النساء وجوه الخيل وبكين ، فكروا راجعين ، فانطوت مجنبتا المسلمين على الترك ، فقاتلوهم حتى ردوهم إلى مواقفهم ، فوقف الترك على نشز ، فقال قتيبة : من يزيلهم عن هذا الموضع ؟ فلم يقدم عليهم أحد من العرب ، فأتى بني تميم ، فقال لهم : يوم كأيامكم ، فأخذ وكيع اللواء وقال : يا بني تميم أتسلمونني اليوم ؟ قالوا : لا يا أبا مطرف .

وكان هريم بن أبي طحمة على خيل تميم ، ووكيع رأسهم ، فقال وكيع : يا هريم قدم خيلك ، ودفع إليه الراية ، فتقدم هريم وتقدم وكيع في الرجالة ، فانتهى هريم إلى نهر بينهم وبين الترك ، فوقف فقال وكيع : تقدم يا هريم ، فنظر هريم نظر الجمل الهائج الصائل وقال : أأقحم الخيل هذا النهر ؟ فإن انكشفت كان هلاكها يا أحمق . فقال وكيع : يابن اللخناء ، أترد أمري ! فحذفه بعمود كان معه ، فعبر هريم في الخيل ، وانتهى وكيع إلى النهر ، فعمل عليه جسرا من خشب وقال لأصحابه : من وطن نفسه على الموت فليعبر ، وإلا فليثبت مكانه . فما عبر معه إلا ثمانمائة رجل ، فلما عبر بهم ودنا من العدو قال لهريم : إني مطاعنهم ، فاشغلهم عنا بالخيل ، فحمل عليهم حتى خالطهم ، وحمل هريم في الخيل فطاعنوهم ، ولم يزالوا يقاتلونهم حتى حدروهم من التل ، ونادى قتيبة : ما ترون العدو منهزمين ؟ فلم يعبر أحد النهر حتى انهزموا ، وعبر الناس ، ونادى قتيبة : من أتى برأس فله مائة ، فأتي برءوس كثيرة ، فجاء يومئذ أحد عشر رجلا من بني قريع ، كل [ ص: 24 ] رجل برأس ، فيقال له : من أنت ؟ فيقول : قريعي . فجاء رجل من الأزد برأس ، فقيل له : من أنت ؟ فقال : قريعي ، فعرفه جهم بن زحر ، فقال : كذب ، والله إنه أزدي . فقال له قتيبة : ما دعاك إلى هذا ؟ فقال : رأيت كل من جاء يقول : قريعي ، فظننت أنه ينبغي لكل من جاء برأس أن يقوله ، فضحك قتيبة .

وجرح خاقان وابنه ، وفتح الله عليهم ، وكتب [ قتيبة ] بالفتح إلى الحجاج .

التالي السابق


الخدمات العلمية