صفحة جزء
[ ص: 148 ] 103

ثم دخلت سنة ثلاث ومائة

ذكر استعمال سعيد الحرشي على خراسان

في هذه السنة عزل عمر بن هبيرة سعيد خذينة عن خراسان ، وكان سبب عزله أن المجشر بن مزاحم السلمي وعبد الله بن عمير الليثي قدما على عمر بن هبيرة فشكواه ، فعزله واستعمل سعيد بن عمرو الحرشي ، ( بالحاء المهملة ، والشين المعجمة ، من بني الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ) . وكان خذينة [ غازيا ] بباب سمرقند ، فبلغه عزله ، وخلف بسمرقند ألف رجل .

وقيل : إن عمر بن هبيرة كتب إلى يزيد بن عبد الملك بأسماء من أبلى يوم العقر ولم يذكر سعيدا الحرشي ، فقال يزيد : لم لم يذكر الحرشي ؟ وكتب إلى عمر بن هبيرة أن ول الحرشي خراسان ، فولاه ، فقدم بين يديه المجشر بن مزاحم السلمي ، فقال نهار بن توسعة :


فهل من مبلغ فتيان قومي بأن النبل ريشت كل ريش     وأن الله أبدل من سعيد
سعيدا لا المخنث من قريش

وقدم سعيد الحرشي خراسان ، فلم يعرض لعمال خذينة ، وقرأ رجل عهده فلحن فيه ، فقال : صه ، مهما سمعتم فهو من الكاتب ، والأمير منه بريء . ولما قدم الحرشي خراسان كان الناس بإزاء العدو ، وكانوا قد نكبوا ، فخطبهم وحثهم على الجهاد ، وقال : إنكم لا تقاتلون بكثرة ولا بعدة ، ولكن بنصر الله وعز الإسلام ، فقولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله [ العلي ] العظيم ، وقال :


فلست لعامر إن لم تروني     أمام الخيل أطعن بالعوالي
[ ص: 149 ] وأضرب هامة الجبار منهم     بعضب الحد حودث بالصقال
فما أنا في الحروب بمستكين     ولا أخشى مصاولة الرجال
أبى لي والدي من كل ذم     وخالي في الحوادث خير خال

فلما سمع أهل الصغد بقدوم الحرشي خافوا على نفوسهم; لأنهم كانوا قد أعانوا الترك أيام خذينة ، فاجتمع عظماؤهم على الخروج من بلادهم ، فقال لهم ملكهم : لا تفعلوا ، أقيموا واحملوا الخراج ما مضى ، واضمنوا له خراج ما يأتي وعمارة الأرض ، والغزو معه إن أراد ذلك ، واعتذروا مما كان منكم وأعطوه رهائن . قالوا : نخاف أن لا يرضى ولا يقبل ذلك منا ، ولكنا نأتي خجندة فنستجير ملكها ، ونرسل إلى الأمير ، فنسأله الصفح عما كان منا ، ونوثق [ له ] أنه لا يرى [ منا ] أمرا يكرهه . فقال : أنا رجل منكم ، والذي أشرت به عليكم خير لكم .

فأبوا وخرجوا إلى خجندة ، وأرسلوا إلى ملك فرغانة يسألونه أن يمنعهم وينزلهم مدينته ، فأراد أن يفعل فقالت أمه : لا يدخل هؤلاء الشياطين مدينتك ، ولكن فرغ لهم رستاقا يكونون فيه ، فأرسل إليهم : سموا رستاقا تكونون فيه حتى أفرغه لكم ، وأجلوني أربعين يوما ، وقيل عشرين يوما . فاختاروا شعب عصام بن عبد الله الباهلي ، وكان قتيبة قد خلفه فيهم ، فقال : نعم ، وليس [ لكم ] علي عقد وجوار حتى تدخلوه ، وإن أتتكم [ العرب ] قبل أن تدخلوه لم أمنعكم . فرضوا ، ففرغ لهم الشعب .

ذكر عدة حوادث

قيل : وفي هذه السنة أغارت الترك على اللان ، [ ص: 150 ] وفيها غزا العباس بن الوليد الروم ، ففتح مدينة يقال لها دلسة . وفيها جمعت مكة والمدينة لعبد الرحمن بن الضحاك . وفيها ولي عبد الواحد بن عبد الله النضري الطائف ، وعزل عبد العزيز بن عبد الله بن خالد عنه وعن مكة .

وحج بالناس عبد الرحمن بن الضحاك ، وكان عامل مكة والمدينة ، وكان على العراق : عمر بن هبيرة ، وعلى خراسان : الحرشي ، وعلى قضاء الكوفة : القاسم بن عبد الرحمن ، وعلى قضاء البصرة : عبد الملك بن يعلى .

[ الوفيات ]

وفي هذه السنة مات الشعبي ، وقيل خمس ، وقيل سبع ومائة ، وهو ابن سبع وسبعين سنة . وفيها مات يزيد بن الأصم ، وهو ابن أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل : مات سنة أربع ومائة ، وعمره ثلاث وسبعون سنة . وفيها مات أبو بردة بن أبي موسى الأشعري . ويزيد بن الحصين بن نمير السكوني ، [ ص: 151 ] وفيها توفي عطاء بن يسار ، وهو أخو سليمان ، ( يسار بالياء المثناة من تحت والسين المهملة ) . وفيها توفيت عمرة بنت عبد الرحمن بن سعيد بن زرارة الأنصارية ، وهي ابنة سبع وسبعين سنة .

وفيها توفي مصعب بن سعد بن أبي وقاص . ويحيى بن وثاب الأسدي المنقري . وعبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي ، وكان عامل عمر بن عبد العزيز على الجزيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية