صفحة جزء
فصل نكاح المحرم في حج أو عمرة

وأما نكاح المحرم فثبت عنه في " صحيح مسلم " من رواية عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينكح المحرم ولا ينكح ) .

واختلف عنه صلى الله عليه وسلم ، هل تزوج ميمونة حلالا أو حراما ؟ فقال ابن عباس : [ ص: 103 ] تزوجها محرما ، وقال أبو رافع : تزوجها حلالا ، وكنت الرسول بينهما . وقول أبي رافع أرجح لعدة أوجه .

أحدها : أنه إذ ذاك كان رجلا بالغا ، وابن عباس لم يكن حينئذ ممن بلغ الحلم ، بل كان له نحو العشر سنين ، فأبو رافع إذ ذاك كان أحفظ منه .

الثاني : أنه كان الرسول بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها ، وعلى يده دار الحديث ، فهو أعلم به منه بلا شك ، وقد أشار بنفسه إلى هذا إشارة متحقق له ومتيقن ، ولم ينقله عن غيره ، بل باشره بنفسه .

الثالث : أن ابن عباس لم يكن معه في تلك العمرة ، فإنها كانت عمرة القضية ، وكان ابن عباس إذ ذاك من المستضعفين الذين عذرهم الله من الولدان ، وإنما سمع القصة من غير حضور منه لها .

الرابع : أنه صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة بدأ بالطواف بالبيت ، ثم سعى بين الصفا والمروة ، وحلق ثم حل .

ومن المعلوم : أنه لم يتزوج بها في طريقه ، ولا بدأ بالتزويج بها قبل الطواف بالبيت ، ولا تزوج في حال طوافه ، هذا من المعلوم أنه لم يقع ، فصح قول أبي رافع يقينا .

الخامس : أن الصحابة رضي الله عنهم غلطوا ابن عباس ، ولم يغلطوا أبا رافع .

السادس : أن قول أبي رافع موافق لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المحرم ، وقول ابن عباس يخالفه ، وهو مستلزم لأحد أمرين ، إما لنسخه ، وإما لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بجواز النكاح محرما ، وكلا الأمرين مخالف للأصل ليس عليه دليل فلا يقبل . [ ص: 104 ] السابع : أن ابن أختها يزيد بن الأصم شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا ، قال : وكانت خالتي وخالة ابن عباس . ذكره مسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية