صفحة جزء
فصل

ومما حرمه النص نكاح المزوجات وهن المحصنات ، واستثنى من ذلك ملك اليمين ، فأشكل هذا الاستثناء على كثير من الناس ، فإن الأمة المزوجة يحرم وطؤها على مالكها ، فأين محل الاستثناء ؟ .

فقالت طائفة : هو منقطع ، أي لكن ما ملكت أيمانكم ، ورد هذا لفظا ومعنى ، أما اللفظ فإن الانقطاع إنما يقع حيث يقع التفريغ ، وبابه غير الإيجاب من النفي والنهي والاستفهام ، فليس الموضع موضع انقطاع ، وأما المعنى : فإن المنقطع لا بد فيه من رابط بينه وبين المستثنى منه بحيث يخرج ما توهم دخوله فيه بوجه ما ، فإنك إذا قلت : ما بالدار من أحد ، دل على انتفاء من بها بدوابهم وأمتعتهم ، فإذا قلت : إلا حمارا أو إلا الأثافي ، ونحو ذلك ، أزلت توهم دخول المستثنى في حكم المستثنى منه . وأبين من هذا قوله تعالى : ( لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ) [ مريم : 62 ] فاستثناء السلام أزال توهم نفي السماع العام ، فإن عدم سماع اللغو يجوز أن يكون لعدم سماع كلام ما ، وأن يكون مع سماع غيره ، وليس في تحريم نكاح المزوجة ما يوهم تحريم وطء الإماء بملك اليمين حتى يخرجه .

وقالت طائفة : بل الاستثناء على بابه ، ومتى ملك الرجل الأمة المزوجة كان ملكه طلاقا لها ، وحل له وطؤها ، وهي مسألة بيع الأمة : هل يكون طلاقا لها أم لا ؟ فيه مذهبان للصحابة : فابن عباس رضي الله عنه يراه طلاقا ويحتج له بالآية ، وغيره يأبى ذلك ويقول : كما يجامع الملك السابق للنكاح اللاحق اتفاقا ولا يتنافيان ، كذلك الملك اللاحق لا ينافي النكاح السابق ، قالوا : وقد خير [ ص: 119 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة لما بيعت ولو انفسخ نكاحها لم يخيرها . قالوا : وهذا حجة على ابن عباس رضي الله عنه ، فإنه هو راوي الحديث والأخذ برواية الصحابي لا برأيه .

وقالت طائفة ثالثة : إن كان المشتري امرأة لم ينفسخ النكاح لأنها لم تملك الاستمتاع ببضع الزوجة ، وإن كان رجلا انفسخ لأنه يملك الاستمتاع به ، وملك اليمين أقوى من ملك النكاح ، وهذا الملك يبطل النكاح دون العكس ، قالوا : وعلى هذا فلا إشكال في حديث بريرة .

وأجاب الأولون عن هذا بأن المرأة وإن لم تملك الاستمتاع ببضع أمتها فهي تملك المعاوضة عليه وتزويجها وأخذ مهرها ، وذلك كملك الرجل وإن لم تستمتع بالبضع .

وقالت فرقة أخرى : الآية خاصة بالمسبيات ، فإن المسبية إذا سبيت حل وطؤها لسابيها بعد الاستبراء وإن كانت مزوجة ، وهذا قول الشافعي وأحد الوجهين لأصحاب أحمد ، وهو الصحيح كما روى مسلم في " صحيحه " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بعث جيشا إلى أوطاس فلقي عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم ، وأصابوا سبايا ، وكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين ، فأنزل الله عز وجل في ذلك : ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) ) [ النساء : 24 ] [ ص: 120 ] أي : فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن .

فتضمن هذا الحكم إباحة وطء المسبية وإن كان لها زوج من الكفار ، وهذا يدل على انفساخ نكاحه وزوال عصمة بضع امرأته ، وهذا هو الصواب ، لأنه قد استولى على محل حقه وعلى رقبة زوجته وصار سابيها أحق بها منه ، فكيف يحرم بضعها عليه ، فهذا القول لا يعارضه نص ولا قياس .

التالي السابق


الخدمات العلمية