صفحة جزء
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح .

قال الله تعالى :( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [ الحجرات : 13 ] . وقال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة ) [ الحجرات : 10 ] . وقال : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) [ التوبة 71 ] وقال تعالى :( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) [ آل عمران : 195 ]

وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود . ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء ، إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا ) .

[ ص: 145 ] وفي الترمذي : عنه صلى الله عليه وسلم ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) ، قالوا : يا رسول الله وإن كان فيه ؟ فقال إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ثلاث مرات .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبني بياضة ( أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه ) وكان حجاما .

وزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه ( وزوج فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية من أسامة ابنه ) وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف ، وقد قال الله تعالى :( والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ) [ النور : 26 ] وقد قال تعالى :( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) [ النساء : 3 ]

فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا ، فلا تزوج مسلمة بكافر ، ولا عفيفة بفاجر ، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمرا وراء ذلك ، فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث ، ولم يعتبر نسبا ولا صناعة ولا غنى ولا حرية ، فجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية ، إذا كان عفيفا مسلما ، وجوز لغير القرشيين نكاح القرشيات ، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات ، وللفقراء نكاح الموسرات .

وقد تنازع الفقهاء في أوصاف الكفاءة فقال مالك في ظاهر مذهبه إنها [ ص: 146 ] الدين وفي رواية عنه إنها ثلاثة الدين والحرية والسلامة من العيوب .

وقال أبو حنيفة : هي النسب والدين .

وقال أحمد في رواية عنه هي الدين والنسب خاصة . وفي رواية أخرى : هي خمسة الدين والنسب والحرية والصناعة والمال . وإذا اعتبر فيها النسب فعنه فيه روايتان : إحداهما : أن العرب بعضهم لبعض أكفاء . الثانية : أن قريشا لا يكافئهم إلا قرشي ، وبنو هاشم لا يكافئهم إلا هاشمي .

وقال أصحاب الشافعي : يعتبر فيها الدين والنسب والحرية والصناعة والسلامة من العيوب المنفرة .

ولهم في اليسار ثلاثة أوجه : اعتباره فيها ، وإلغاؤه ، واعتباره في أهل المدن دون أهل البوادي ؛ فالعجمي ليس عندهم كفئا للعربي ، ولا غير القرشي للقرشية ، ولا غير الهاشمي للهاشمية ، ولا غير المنتسبة إلى العلماء والصلحاء المشهورين كفئا لمن ليس منتسبا إليهما ، ولا العبد كفئا للحرة ، ولا العتيق كفئا لحرة الأصل ، ولا من مس الرق أحد آبائه كفئا لمن لم يمسها رق ، ولا أحدا من آبائها ، وفي تأثير رق الأمهات وجهان ، ولا من به عيب مثبت للفسخ كفئا للسليمة منه ، فإن لم يثبت الفسخ وكان منفرا كالعمى والقطع ، وتشويه الخلقة ، فوجهان : واختار الروياني أن صاحبه ليس بكفء ، ولا الحجام والحائك والحارس كفئا لبنت التاجر والخياط ونحوهما ، ولا المحترف لبنت العالم ، ولا الفاسق كفئا للعفيفة ، ولا المبتدع للسنية ، ولكن الكفاءة عند الجمهور هي حق للمرأة والأولياء .

ثم اختلفوا فقال أصحاب الشافعي : هي لمن له ولاية في الحال .

وقال أحمد في رواية : حق لجميع الأولياء ، قريبهم وبعيدهم ، فمن لم يرض منهم فله الفسخ . وقال أحمد في رواية ثالثة : إنها حق الله ، فلا يصح رضاهم بإسقاطه ، ولكن على هذه الرواية لا تعتبر الحرية ولا اليسار ، ولا الصناعة ولا النسب ، إنما يعتبر الدين فقط فإنه لم يقل أحمد ، ولا أحد من [ ص: 147 ] العلماء إن نكاح الفقير للموسرة باطل ، وإن رضيت ، ولا يقول هو ولا أحد : إن نكاح الهاشمية لغير الهاشمي والقرشية لغير القرشي باطل ، وإنما نبهنا على هذا لأن كثيرا من أصحابنا يحكون الخلاف في الكفاءة ، هل هي حق لله أو للآدمي ؟ ويطلقون مع قولهم إن الكفاءة هي الخصال المذكورة ، وفي هذا من التساهل وعدم التحقيق ما فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية