صفحة جزء
أما قوله : ( مره فليراجعها ) ، فالمراجعة قد وقعت في كلام الله ورسوله على ثلاث معان :

أحدها : ابتداء النكاح ، كقوله تعالى : ( فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله ) [ البقرة : 230 ] ، ولا خلاف بين أحد من أهل العلم بالقرآن أن المطلق هاهنا : هو الزوج الثاني ، وأن التراجع بينها وبين الزوج الأول ، وذلك نكاح مبتدأ .

وثانيهما : الرد الحسي إلى الحالة التي كان عليها أولا ، ( كقوله لأبي النعمان بن بشير لما نحل ابنه غلاما خصه به دون ولده : رده ) ، فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائزة التي سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -جورا وأخبر أنها لا تصلح ، وأنها خلاف العدل ، كما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى .

ومن هذا قوله لمن فرق بين جارية وولدها في البيع ، فنهاه عن ذلك ، ورد البيع ، وليس هذا الرد مستلزما لصحة البيع ، فإنه بيع باطل ، بل هو رد شيئين إلى حالة اجتماعهما كما كانا ، وهكذا الأمر بمراجعة ابن عمر امرأته ارتجاع ورد إلى حالة الاجتماع كما كانا قبل الطلاق ، وليس في ذلك ما يقتضي وقوع الطلاق في الحيض البتة .

وأما قوله : ( أرأيت إن عجز واستحمق ) ، فيا سبحان الله أين البيان في هذا اللفظ بأن تلك الطلقة حسبها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأحكام لا تؤخذ بمثل هذا، ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حسبها عليه واعتد عليه بها - لم يعدل عن الجواب بفعله وشرعه إلى : أرأيت ، وكان ابن عمر أكره ما إليه " أرأيت " [ ص: 209 ] فكيف يعدل للسائل عن صريح السنة إلى لفظة " أرأيت " الدالة على نوع من الرأي سببه عجز المطلق وحمقه عن إيقاع الطلاق على الوجه الذي أذن الله له فيه ، والأظهر فيما هذه صفته أنه لا يعتد به ، وأنه ساقط من فعل فاعله ، لأنه ليس في دين الله تعالى حكم نافذ سببه العجز والحمق عن امتثال الأمر ، إلا أن يكون فعلا لا يمكن رده بخلاف العقود المحرمة التي من عقدها على الوجه المحرم ، فقد عجز واستحمق ، وحينئذ فيقال : هذا أدل على الرد منه على الصحة واللزوم ، فإنه عقد عاجز أحمق على خلاف أمر الله ورسوله ، فيكون مردودا باطلا ، فهذا الرأي والقياس أدل على بطلان طلاق من عجز واستحمق منه على صحته واعتباره .

وأما قوله : فحسبت من طلاقها . ففعل مبني لما لم يسم فاعله ، فإذا سمي فاعله ، ظهر ، وتبين هل في حسبانه حجة أو لا ؟ وليس في حسبان الفاعل المجهول دليل البتة . وسواء كان القائل " فحسبت " ابن عمر أو نافعا أو من دونه ، وليس فيه بيان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حسبها حتى تلزم الحجة به ، وتحرم مخالفته ، فقد تبين أن سائر الأحاديث لا تخالف حديث أبي الزبير ، وأنه صريح في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرها شيئا ، وسائر الأحاديث مجملة لا بيان فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية