صفحة جزء
[ ص: 284 ] فصل

وأما من قال : إنه ظهار ، وإن نوى به الطلاق ، أو وصله بقوله : أعني به الطلاق فمأخذ قوله ما ذكرنا من تقرير كونه ظهارا ، ولا يخرج عن كونه ظهارا بنية الطلاق ، كما لو قال : أنت علي كظهر أمي ، ونوى به الطلاق ، أو قال : أعني به الطلاق ، فإنه لا يخرج بذلك عن الظهار ، ويصير طلاقا عند الأكثرين ، إلا على قول شاذ ، لا يلتفت إليه ؛ لموافقته ما كان الأمر عليه في الجاهلية من جعل الظهار طلاقا ، ونسخ الإسلام لذلك وإبطاله ، فإذا نوى به الطلاق فقد نوى ما أبطله الله ورسوله مما كان عليه أهل الجاهلية عند إطلاق لفظ الظهار طلاقا ، وقد نوى ما لا يحتمله شرعا ، فلا تؤثر نيته في تغيير ما استقر عليه حكم الله الذي حكم به بين عباده ، ثم جرى أحمد وأصحابه على أصله من التسوية بين إيقاع ذلك ، والحلف به كالطلاق ، والعتاق ، وفرق شيخ الإسلام بين البابين على أصله في التفريق بين الإيقاع والحلف ، كما فرق الشافعي وأحمد - رحمهما الله - ومن وافقهما بين البابين في النذر ، بين أن يحلف به فيكون يمينا مكفرة ، وبين أن ينجزه أو يعلقه بشرط يقصد وقوعه ، فيكون نذرا لازم الوفاء ، كما سيأتي تقريره في الأيمان إن شاء الله تعالى .

قال : فيلزمهم على هذا أن يفرقوا بين إنشاء التحريم ، وبين الحلف ، فيكون في الحلف به حالفا يلزمه كفارة يمين وفي تنجيزه أو تعليقه بشرط مقصود مظاهرا يلزمه كفارة الظهار ، وهذا مقتضى المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فإنه مرة جعله ظهارا ، ومرة جعله يمينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية