صفحة جزء
فصل

وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على الطفل ، فصح عنه أنه قال : ( الطفل يصلى [ ص: 494 ] عليه ) .

وفي " سنن ابن ماجه " مرفوعا : ( صلوا على أطفالكم ، فإنهم من أفراطكم ) .

قال أحمد بن أبي عبدة : سألت أحمد : متى يجب أن يصلى على السقط ؟ قال إذا أتى عليه أربعة أشهر ، لأنه ينفخ فيه الروح .

قلت : فحديث المغيرة بن شعبة : ( الطفل يصلى عليه ) ؟ قال : صحيح مرفوع ، قلت : ليس في هذا بيان الأربعة الأشهر ولا غيرها ؟ قال : قد قاله سعيد بن المسيب .

فإن قيل : فهل صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ابنه إبراهيم يوم مات ؟ قيل : قد اختلف في ذلك ، فروى أبو داود في " سننه " عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( مات إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثمانية عشر شهرا ، فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم )

قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي عن ابن إسحاق ، حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة ، عن عائشة . . . فذكره .

[ ص: 495 ] وقال أحمد في رواية حنبل : هذا حديث منكر جدا ، ووهى ابن إسحاق .

وقال الخلال : وقرئ على عبد الله : حدثني أبي ، حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل ، قال : حدثنا جابر الجعفي ، عن عامر ، عن البراء بن عازب ، قال : ( صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنه إبراهيم ومات وهو ابن ستة عشر شهرا ) .

وذكر أبو داود عن البهي ، قال : ( لما مات إبراهيم بن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المقاعد ) . وهو مرسل ، والبهي اسمه عبد الله بن يسار كوفي .

وذكر عن عطاء بن أبي رباح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على ابنه إبراهيم وهو ابن سبعين ليلة . وهذا مرسل وهم فيه عطاء ، فإنه قد كان تجاوز السنة .

فاختلف الناس في هذه الآثار ، فمنهم من أثبت الصلاة عليه ومنع صحة حديث عائشة ، كما قال الإمام أحمد وغيره : قالوا : وهذه المراسيل ، مع حديث البراء ، يشد بعضها بعضا ، ومنهم من ضعف حديث البراء بجابر الجعفي ، وضعف هذه المراسيل ، وقال : حديث ابن إسحاق أصح منها .

ثم اختلف هؤلاء في السبب الذي لأجله لم يصل عليه ، فقالت طائفة : استغنى ببنوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قربة الصلاة التي هي شفاعة له ، كما استغنى الشهيد بشهادته عن الصلاة عليه .

وقالت طائفة أخرى : إنه مات يوم كسفت الشمس ، فاشتغل بصلاة الكسوف عن الصلاة عليه .

[ ص: 496 ] وقالت طائفة : لا تعارض بين هذه الآثار ، فإنه أمر بالصلاة عليه ، فقيل : صلي عليه ، ولم يباشرها بنفسه لاشتغاله بصلاة الكسوف ، وقيل : لم يصل عليه . وقالت فرقة : رواية المثبت أولى ، لأن معه زيادة علم ، وإذا تعارض النفي والإثبات قدم الإثبات .

التالي السابق


الخدمات العلمية