صفحة جزء
فصل

الثاني : أن يلزمه كفارة بالتحريم ، وهو بمنزلة اليمين ، وهذا قول من سميناه من الصحابة ، وقول فقهاء الرأي والحديث ، إلا الشافعي ومالكا ، فإنهما قالا : لا كفارة عليه بذلك .

والذين أوجبوا الكفارة أسعد بالنص من الذين أسقطوها ، فإن الله سبحانه ذكر تحلة الأيمان عقب قوله : ( لم تحرم ما أحل الله لك ) وهذا صريح في أن تحريم الحلال قد فرض فيه تحلة الأيمان ، إما مختصا به ، وإما شاملا له ولغيره ، فلا يجوز أن يخلى سبب الكفارة المذكورة في السياق عن حكم الكفارة ويعلق بغيره ، وهذا ظاهر الامتناع .

وأيضا فإن المنع من فعله بالتحريم كالمنع منه باليمين ، بل أقوى ، فإن اليمين إن تضمن هتك حرمة اسمه سبحانه ، فالتحريم تضمن هتك حرمة شرعه وأمره ، فإنه إذا شرع الشيء حلالا ، فحرمه المكلف ، كان تحريمه هتكا لحرمة ما شرعه ، ونحن نقول : لم يتضمن الحنث في اليمين هتك حرمة الاسم ، ولا التحريم هتك حرمة الشرع ، كما يقوله من يقول من الفقهاء ، وهو تعليل فاسد جدا ، فإن الحنث إما جائز ، وإما واجب ، أو مستحب ، وما جوز الله لأحد البتة أن يهتك حرمة اسمه ، وقد شرع لعباده الحنث مع الكفارة ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا حلف على يمين ورأى غيرها خيرا كفر عن يمينه ، وأتى المحلوف عليه ، ومعلوم أن هتك حرمة اسمه تبارك وتعالى لم يبح في شريعة قط ، وإنما الكفارة كما سماها الله تعالى تحلة ، وهي تفعلة من الحل ، فهي تحل ما عقد به اليمين ليس إلا وهذا [ ص: 288 ] العقد كما يكون باليمين يكون بالتحريم ، وظهر سر قوله تعالى : ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) عقيب قوله : ( لم تحرم ما أحل الله لك )

التالي السابق


الخدمات العلمية