صفحة جزء
فصل

وقال الجمهور : لا تجب الكفارة إلا بالعود بعد الظهار ، ثم اختلفوا في معنى العود ، هل هو إعادة لفظ الظهار بعينه ، أو أمر وراءه ؟ على قولين : فقال أهل الظاهر كلهم : هو إعادة لفظ الظهار ، ولم يحكوا هذا عن أحد من السلف البتة ، وهو قول لم يسبقوا إليه ، وإن كانت هذه الشكاة لا يكاد مذهب من المذاهب يخلو عنها .

قالوا : فلم يوجب الله سبحانه الكفارة إلا بالظهار المعاد لا المبتدأ . قالوا : والاستدلال بالآية من ثلاثة وجوه

أحدها : أن العرب لا يعقل في لغاتها العود إلى الشيء إلا فعل مثله مرة ثانية ، قالوا : وهذا كتاب الله وكلام رسوله وكلام العرب بيننا وبينكم . قال تعالى : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) [ الأنعام : 28 ] فهذا نظير الآية سواء في أنه عدى فعل العود باللام ، وهو إتيانهم مرة ثانية بمثل ما أتوا به أولا ، وقال تعالى : ( وإن عدتم عدنا ) [ الإسراء : 8 ] أي إن كررتم الذنب كررنا العقوبة ، ومنه قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ) [ المجادلة : 8 ] وهذا في سورة الظهار نفسها ، وهو يبين المراد من العود فيه ، فإنه نظيره فعلا وإرادة ، والعهد قريب بذكره .

قالوا : وأيضا ، فالذي قالوه : هو لفظ الظهار ، فالعود إلى القول هو الإتيان به مرة ثانية لا تعقل العرب غير هذا . قالوا : وأيضا فما عدا تكرار اللفظ إما إمساك ، وإما عزم ، وإما فعل ، وليس واحد منها بقول ، فلا يكون الإتيان به عودا ، لا لفظا ولا معنى ، ولأن العزم والوطء والإمساك ليس ظهارا ، فيكون الإتيان بها عودا إلى الظهار .

قالوا : ولو أريد بالعود الرجوع في الشيء الذي منع منه نفسه كما يقال : عاد [ ص: 299 ] في الهبة ، لقال : ثم يعودون فيما قالوا ، كما في الحديث : ( العائد في هبته ، كالعائد في قيئه )

واحتج أبو محمد ابن حزم بحديث عائشة رضي الله عنها أن أوس بن الصامت كان به لمم فكان إذا اشتد به لممه ظاهر من زوجته فأنزل الله عز وجل فيه كفارة الظهار . فقال : هذا يقتضي التكرار ، ولا بد قال : ولا يصح في الظهار إلا هذا الخبر وحده .

قال : وأما تشنيعكم علينا بأن هذا القول لم يقل به أحد من الصحابة ، فأرونا من الصحابة من قال : إن العود هو الوطء ، أو العزم ، أو الإمساك ، أو هو العود إلى الظهار في الجاهلية ، ولو عن رجل واحد من الصحابة ، فلا تكونون أسعد بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أبدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية