صفحة جزء
[ ص: 500 ] فصل

ولم يكن من هديه وسنته - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على كل ميت غائب .

فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غيب ، فلم يصل عليهم ، وصح عنه : ( أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت ) ، فاختلف الناس في ذلك على ثلاثة طرق ، أحدها : أن هذا تشريع منه ، وسنة للأمة الصلاة على كل غائب ، وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، وقال أبو حنيفة ، ومالك : هذا خاص به ، وليس ذلك لغيره ، قال أصحابهما : ومن الجائز أن يكون رفع له سريره ، فصلى عليه وهو يرى صلاته على الحاضر المشاهد ، وإن كان على مسافة من البعد ، والصحابة وإن لم يروه ، فهم تابعون للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة . قالوا : ويدل على هذا ، أنه لم ينقل عنه أنه كان يصلي على كل الغائبين غيره ، وتركه سنة ، كما أن فعله سنة ، ولا سبيل لأحد بعده إلى أن يعاين سرير الميت من المسافة البعيدة ، ويرفع له حتى يصلي عليه ، فعلم أن ذلك مخصوص به . وقد روي عنه أنه صلى [ ص: 501 ] على معاوية بن معاوية الليثي وهو غائب ، ولكن لا يصح ، فإن في إسناده العلاء بن زيد ، ويقال ابن زيدل ، قال علي بن المديني : كان يضع الحديث ، ورواه محبوب بن هلال ، عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس . قال البخاري : لا يتابع عليه .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه ، صلي عليه صلاة الغائب ، كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي ، لأنه مات بين الكفار ولم يصل عليه ، وإن صلي عليه حيث مات ، لم يصل عليه صلاة الغائب ؛ لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على الغائب ، وتركه ، وفعله وتركه سنة ، وهذا له موضع ، وهذا له موضع ، والله أعلم ، والأقوال ثلاثة في مذهب أحمد ، وأصحها : هذا التفصيل ، والمشهور عند أصحابه : الصلاة عليه مطلقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية