صفحة جزء
فصل وفي حديث هند : دليل على جواز قول الرجل في غريمه ما فيه من العيوب عند شكواه ، وأن ذلك ليس بغيبة ، ونظير ذلك قول الآخر في خصمه : يا رسول الله ، إنه فاجر لا يبالي ما حلف عليه .

وفيه دليل على تفرد الأب بنفقة أولاده ولا تشاركه فيها الأم ، وهذا إجماع من العلماء إلا قول شاذ لا يلتفت إليه أن على الأم من النفقة بقدر ميراثها ، وزعم [ ص: 449 ] صاحب هذا القول أنه طرد القياس على كل من له ذكر وأنثى في درجة واحدة ، وهما وارثان فإن النفقة عليهما ، كما لو كان له أخ وأخت أو أم وجد أو ابن وبنت فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما ، فكذلك الأب والأم .

والصحيح : انفراد العصبة بالنفقة ، وهذا كله كما ينفرد الأب دون الأم بالإنفاق ، وهذا هو مقتضى قواعد الشرع ، فإن العصبة تنفرد بحمل العقل وولاية النكاح وولاية الموت والميراث بالولاء ، وقد نص الشافعي على أنه إذا اجتمع أم وجد أو أب فالنفقة على الجد وحده ، وهو إحدى الروايات عن أحمد وهي الصحيحة في الدليل ، وكذلك إن اجتمع ابن وبنت ، أو أم وابن ، أو بنت وابن ابن فقال الشافعي : النفقة في هذه المسائل الثلاث على الابن لأنه العصبة ، وهي إحدى الروايات عن أحمد . والثانية أنها على قدر الميراث في المسائل الثلاث ، وقال أبو حنيفة : النفقة في مسألة الابن والبنت عليهما نصفان لتساويهما في القرب ، وفي مسألة بنت وابن ابن : النفقة على البنت لأنها أقرب ، وفي مسألة أم وبنت على الأم الربع والباقي على البنت ، وهو قول أحمد ، وقال الشافعي : تنفرد بها البنت ؛ لأنها تكون عصبة مع أخيها ، والصحيح : انفراد العصبة بالإنفاق ؛ لأنه الوارث المطلق .

وفيه دليل على أن نفقة الزوجة والأقارب مقدرة بالكفاية ، وأن ذلك بالمعروف ، وأن لمن له النفقة له أن يأخذها بنفسه إذا منعه إياها من هي عليه .

وقد احتج بهذا على جواز الحكم على الغائب ، ولا دليل فيه ؛ لأن أبا سفيان كان حاضرا في البلد لم يكن مسافرا ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسألها البينة ، ولا يعطى المدعي بمجرد دعواه ، وإنما كان هذا فتوى منه - صلى الله عليه وسلم - .

وقد احتج به على مسألة الظفر ، وأن للإنسان أن يأخذ من مال غريمه إذا ظفر به بقدر حقه الذي جحده إياه ، ولا يدل لثلاثة أوجه ، أحدها : أن سبب الحق هاهنا ظاهر وهو الزوجية فلا يكون الأخذ خيانة في الظاهر فلا يتناوله قول [ ص: 450 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك ) ولهذا نص أحمد على المسألتين مفرقا بينهما ، فمنع من الأخذ في مسألة الظفر ، وجوز للزوجة الأخذ ، وعمل بكلا الحديثين .

الثاني : أنه يشق على الزوجة أن ترفعه إلى الحاكم ، فيلزمه بالإنفاق أو الفراق ، وفي ذلك مضرة عليها مع تمكنها من أخذ حقها .

الثالث : أن حقها يتجدد كل يوم فليس هو حقا واحدا مستقرا يمكن أن تستدين عليه ، أو ترفعه إلى الحاكم بخلاف حق الدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية