صفحة جزء
[ ص: 510 ] فصل

وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف أن أباح الله سبحانه وتعالى قصر أركان الصلاة وعددها إذا اجتمع الخوف والسفر ، وقصر العدد وحده إذا كان سفر لا خوف معه ، وقصر الأركان وحدها إذا كان خوف لا سفر معه ، وهذا كان من هديه صلى الله عليه وسلم ، وبه تعلم الحكمة في تقييد القصر في الآية بالضرب في الأرض والخوف .

وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف ، إذا كان العدو بينه وبين القبلة ، أن يصف المسلمين كلهم خلفه ، ويكبر ويكبرون جميعا ، ثم يركع فيركعون جميعا ، ثم يرفع ويرفعون جميعا معه ، ثم ينحدر بالسجود والصف الذي يليه خاصة ، ويقوم الصف المؤخر مواجه العدو ، فإذا فرغ من الركعة الأولى ، ونهض إلى الثانية ، سجد الصف المؤخر بعد قيامه سجدتين ، ثم قاموا ، فتقدموا إلى مكان الصف الأول ، وتأخر الصف الأول مكانهم لتحصل فضيلة الصف الأول للطائفتين ، وليدرك الصف الثاني مع النبي - صلى الله عليه وسلم - السجدتين في الركعة الثانية ، كما أدرك الأول معه السجدتين في الأولى ، فتستوي الطائفتان فيما أدركوا معه ، وفيما قضوا لأنفسهم ، وذلك غاية العدل ، فإذا ركع صنع الطائفتان كما صنعوا أول مرة ، فإذا جلس للتشهد ، سجد الصف المؤخر سجدتين ، ولحقوه في التشهد ، فيسلم بهم جميعا .

[ ص: 511 ] وإن كان العدو في غير جهة القبلة ، فإنه كان تارة يجعلهم فرقتين : فرقة بإزاء العدو ، وفرقة تصلي معه ، فتصلي معه إحدى الفرقتين ركعة ، ثم تنصرف في صلاتها إلى مكان الفرقة الأخرى ، وتجيء الأخرى إلى مكان هذه فتصلي معه الركعة الثانية ، ثم تسلم ، وتقضي كل طائفة ركعة ركعة بعد سلام الإمام .

وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعة ، ثم يقوم إلى الثانية ، وتقضي هي ركعة وهو واقف ، وتسلم قبل ركوعه ، وتأتي الطائفة الأخرى ، فتصلي معه الركعة الثانية ، فإذا جلس في التشهد قامت فقضت ركعة وهو ينتظرها في التشهد ، فإذا تشهدت يسلم بهم .

وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعتين ، فتسلم قبله ، وتأتي الطائفة الأخرى ، فيصلي بهم الركعتين الأخيرتين ، ويسلم بهم ، فتكون له أربعا ، ولهم ركعتين ركعتين .

[ ص: 512 ] وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعتين ويسلم بهم ، وتأتي الأخرى ، فيصلي بهم ركعتين ويسلم ، فيكون قد صلى بهم بكل طائفة صلاة .

وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعة ، فتذهب ولا تقضي شيئا ، وتجيء الأخرى فيصلي بهم ركعة ، ولا تقضي شيئا ، فيكون له ركعتان ، ولهم ركعة ركعة ، وهذه الأوجه كلها تجوز الصلاة بها .

قال الإمام أحمد : كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف ، فالعمل به جائز .

وقال : ستة أوجه أو سبعة ، تروى فيها ، كلها جائزة ، وقال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : تقول بالأحاديث كلها كل حديث في موضعه ، أو تختار واحدا منها ؟ قال : أنا أقول : من ذهب إليها كلها فحسن . وظاهر هذا أنه جوز أن تصلي كل طائفة معه ركعة ركعة ، ولا تقضي شيئا ، وهذا مذهب ابن عباس ، [ ص: 513 ] وجابر بن عبد الله ، وطاووس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والحكم ، وإسحاق بن راهويه . قال صاحب " المغني " : وعموم كلام أحمد يقتضي جواز ذلك ، وأصحابنا ينكرونه .

وقد روى عنه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف صفات أخر ترجع كلها إلى هذه ، وهذه أصولها ، وربما اختلف بعض ألفاظها ، وقد ذكرها بعضهم عشر صفات ، وذكرها أبو محمد بن حزم نحو خمس عشرة صفة ، والصحيح : ما ذكرناه أولا ، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة ، جعلوا ذلك وجوها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من اختلاف الرواة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية