صفحة جزء
واختلف القائلون بالحولين في حديث سهلة هذا على ثلاثة مسالك ، أحدها : أنه منسوخ ، وهذا مسلك كثير منهم ، ولم يأتوا على النسخ بحجة سوى الدعوى ، فإنهم لا يمكنهم إثبات التاريخ المعلوم التأخر بينه وبين تلك الأحاديث . ولو قلب أصحاب هذا القول عليهم الدعوى ، وادعوا نسخ تلك الأحاديث بحديث سهلة ، لكانت نظير دعواهم .

وأما قولهم : إنها كانت في أول الهجرة ، وحين نزول قوله تعالى : ( ادعوهم لآبائهم ) [ الأحزاب : 5 ] ورواية ابن عباس رضي الله عنه ، وأبي هريرة بعد ذلك ، فجوابه من وجوه .

أحدها : أنهما لم يصرحا بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، بل لم يسمع منه ابن عباس إلا دون العشرين حديثا وسائرها عن الصحابة رضي الله عنهم .

الثاني : أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لم تحتج واحدة منهن ، بل ولا غيرهن على عائشة رضي الله عنها بذلك ، بل سلكن في الحديث بتخصيصه بسالم ، وعدم إلحاق غيره به .

الثالث : أن عائشة رضي الله عنها نفسها روت هذا وهذا ، فلو كان حديث سهلة منسوخا ، لكانت عائشة رضي الله عنها قد أخذت به ، وتركت الناسخ ، أو خفي عليها تقدمه مع كونها هي الراوية له ، وكلاهما ممتنع ، وفي غاية البعد .

الرابع : أن عائشة رضي الله عنها ابتليت بالمسألة ، وكانت تعمل بها ، وتناظر عليها ، وتدعو إليها صواحباتها فلها بها مزيد اعتناء ، فكيف يكون هذا حكما منسوخا قد بطل كونه من الدين جملة ، ويخفى عليها ذلك ، ويخفى على [ ص: 522 ] نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلا تذكره لها واحدة منهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية