صفحة جزء


الدليل الثاني : أن لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشارع إلا للحيض ، ولم يجئ عنه في موضع واحد استعماله للطهر ، فحمله في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى ، بل متعين ، فإنه صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة " دعي الصلاة أيام أقرائك " وهو صلى الله عليه وسلم المعبر عن الله تعالى ، وبلغة قومه نزل القرآن ، فإذا ورد المشترك في كلامه على أحد معنييه ، وجب حمله في سائر كلامه عليه إذا لم تثبت إرادة الآخر في شيء من كلامه البتة ، ويصير هو لغة القرآن التي خوطبنا بها ، وإن كان له معنى آخر في كلام غيره ، ويصير هذا المعنى الحقيقة الشرعية في تخصيص المشترك بأحد معنييه ، كما يخص المتواطئ بأحد أفراده ، بل هذا أولى ؛ لأن أغلب أسباب الاشتراك تسمية أحد القبيلتين الشيء باسم ، وتسمية الأخرى بذلك الاسم مسمى آخر ، ثم تشيع الاستعمالات ، بل قال المبرد وغيره : [ ص: 542 ] لا يقع الاشتراك في اللغة إلا بهذا الوجه خاصة ، والواضع لم يضع لفظا مشتركا البتة ، فإذا ثبت استعمال الشارع لفظ القروء في الحيض ، علم أن هذا لغته ، فيتعين حمله على ما في كلامه .

ويوضح ذلك ما في سياق الآية من قوله ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) [ البقرة : 228 ] وهذا هو الحيض ، والحمل عند عامة المفسرين ، والمخلوق في الرحم إنما هو الحيض الوجودي ، ولهذا قال السلف والخلف : هو الحمل والحيض ، وقال بعضهم : الحمل ، وبعضهم : الحيض ، ولم يقل أحد قط : إنه الطهر ؛ ولهذا لم ينقله من عني بجمع أقوال أهل التفسير ، كابن الجوزي ، وغيره .

وأيضا فقد قال سبحانه : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) [ الطلاق : 4 ] فجعل كل شهر بإزاء حيضة ، وعلق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر من الحيض .

التالي السابق


الخدمات العلمية