صفحة جزء
والمقصود : أن الجمهور على أن عدة الاستبراء حيضة لا طهر ، وهذا الاستبراء في حق الأمة كالعدة في حق الحرة ، قالوا : بل الاعتداد في حق الحرة بالحيض أولى من الأمة من وجهين .

أحدهما : أن الاحتياط في حقها ثابت بتكرير القرء ثلاث استبراءات ، فهكذا ينبغي أن يكون الاعتداد في حقها بالحيض الذي هو أحوط من الطهر ، فإنها لا تحتسب ببقية الحيضة قرءا ، وتحتسب ببقية الطهر قرءا .

الثاني : أن استبراء الأمة فرع على عدة الحرة ، وهي الثابتة بنص القرآن ، والاستبراء إنما ثبت بالسنة ، فإذا كان قد احتاط له الشارع بأن جعله بالحيض ، فاستبراء الحرة أولى ، فعدة الحرة استبراء لها ، واستبراء الأمة عدة لها .

وأيضا فالأدلة والعلامات والحدود والغايات إنما تحصل بالأمور الظاهرة المتميزة عن غيرها ، والطهر هو الأمر الأصلي ، ولهذا متى كان مستمرا مستصحبا لم يكن له حكم يفرد به في الشريعة ، وإنما الأمر المتميز هو الحيض ، فإن المرأة إذا حاضت تغيرت أحكامها من بلوغها ، وتحريم العبادات عليها من الصلاة والصوم والطواف واللبث في المسجد وغير ذلك من الأحكام .

ثم إذا انقطع الدم واغتسلت ، فلم تتغير أحكامها بتجدد الطهر ، لكن [ ص: 546 ] لزوال المغير الذي هو الحيض ، فإنها تعود بعد الطهر إلى ما كانت عليه قبل الحيض من غير أن يجدد لها الطهر حكما ، والقرء أمر يغير أحكام المرأة ، وهذا التغيير إنما يحصل بالحيض دون الطهر . فهذا الوجه دال على فساد قول من يحتسب بالطهر الذي قبل الحيضة قرءا فيما إذا طلقت قبل أن تحيض ، ثم حاضت ، فإن من اعتد بهذا الطهر قرءا جعل شيئا ليس له حكم في الشريعة قرءا من الأقراء ، وهذا فاسد .

التالي السابق


الخدمات العلمية