صفحة جزء
وأما استدلالكم بحديث عائشة رضي الله عنها : طلاق الأمة طلقتان وقرؤها حيضتان فهو حديث لو استدللنا به عليكم لم تقبلوا ذلك منا ، فإنه [ ص: 556 ] حديث ضعيف معلول ، قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من حديث مظاهر بن أسلم ، ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث ، انتهى . ومظاهر بن أسلم هذا ، قال فيه أبو حاتم الرازي : منكر الحديث .

وقال يحيى بن معين : ليس بشيء ، مع أنه لا يعرف ، وضعفه أبو عاصم أيضا . وقال أبو داود : هذا حديث مجهول ، وقال الخطابي : أهل الحديث ضعفوا هذا الحديث ، وقال البيهقي : لو كان ثابتا لقلنا به إلا أنا لا نثبت حديثا يرويه من تجهل عدالته ، وقال الدارقطني : الصحيح عن القاسم بخلاف هذا ، ثم روي عن زيد بن أسلم قال : سئل القاسم عن الأمة كم تطلق ؟ قال : طلاقها ثنتان ، وعدتها حيضتان .

قال : فقيل له : هل بلغك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا ؟ فقال : لا . وقال البخاري في " تاريخه " : مظاهر بن أسلم ، عن القاسم ، عن عائشة رضي الله عنها يرفعه : طلاق الأمة طلقتان ، وعدتها حيضتان .

قال أبو عاصم : أخبرنا ابن جريج ، عن مظاهر ، ثم لقيت مظاهرا ، فحدثنا به ، وكان أبو عاصم يضعف مظاهرا ، وقال يحيى بن سليمان : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني أسامة بن زيد بن أسلم ، أنه كان جالسا عند أبيه ، فأتاه رسول الأمير ، فقال : إن الأمير يقول لك : كم عدة الأمة ؟ فقال : عدة الأمة حيضتان ، وطلاق الحر الأمة ثلاث ، وطلاق العبد الحرة تطليقتان ، وعدة الحرة ثلاث حيض ، ثم قال للرسول : أين تذهب ؟ قال : أمرني أن أسأل القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، قال : فأقسم عليك إلا رجعت إلي فأخبرتني ما يقولان ، فذهب ورجع إلى أبي ، فأخبره أنهما قالا كما قال ، وقالا له : قل له : إن هذا ليس في كتاب الله ، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن عمل به المسلمون .

وقال أبو القاسم بن عساكر في " أطرافه " : فدل ذلك على أن الحديث المرفوع غير محفوظ .

وأما استدلالكم بحديث ابن عمر مرفوعا ، طلاق الأمة ثنتان ، وعدتها [ ص: 557 ] حيضتان ، فهو من رواية عطية بن سعد العوفي ، وقد ضعفه غير واحد من الأئمة . قال الدارقطني : والصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه ما رواه سالم ، ونافع من قوله ، وروى الدارقطني أيضا عن سالم ونافع ، أن ابن عمر كان يقول : طلاق العبد الحرة تطليقتان ، وعدتها ثلاثة قروء ، وطلاق الحر الأمة تطليقتان ، وعدتها عدة الأمة حيضتان .

قالوا : والثابت بلا شك ، عن ابن عمر رضي الله عنه ، أن الأقراء : الأطهار .

قال الشافعي رحمه الله : أخبرنا مالك رحمه الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : إذا طلق الرجل امرأته ، فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد برئت منه ، ولا ترثه ولا يرثها .

قالوا : فهذا الحديث مداره على ابن عمر ، وعائشة ، ومذهبهما بلا شك أن الأقراء : الأطهار ، فكيف يكون عندهما عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك ، ولا يذهبان إليه ؟ قالوا : وهذا بعينه هو الجواب عن حديث عائشة الآخر : أمرت بريرة أن تعتد ثلاث حيض .

قالوا : وقد روي هذا الحديث بثلاثة ألفاظ : أمرت أن تعتد ، وأمرت أن تعتد عدة الحرة ، وأمرت أن تعتد ثلاث حيض ، فلعل رواية من روى " ثلاث حيض " محمولة على المعنى ، ومن العجب أن يكون عند عائشة رضي الله عنها هذا وهي تقول : الأقراء : الأطهار ، وأعجب منه أن يكون هذا الحديث بهذا السند المشهور الذي كلهم أئمة ، ولا يخرجه أصحاب الصحيح ، ولا المساند ، ولا من اعتنى بأحاديث الأحكام وجمعها ، ولا الأئمة الأربعة ، وكيف يصبر عن إخراج هذا الحديث من هو مضطر إليه ، ولا سيما بهذا السند المعروف الذي هو كالشمس شهرة ، ولا شك أن بريرة أمرت أن تعتد ، وأما إنها أمرت بثلاث حيض ، فهذا لو صح لم نعده إلى غيره ، ولبادرنا إليه . [ ص: 558 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية