صفحة جزء
وقولكم : لا نجد في كتاب الله للغسل معنى . فيقال : كتاب الله تعالى لم يتعرض للغسل بنفي ولا إثبات ، وإنما علق الحل والبينونة بانقضاء الأجل .

وقد اختلف السلف والخلف فيما ينقضي به الأجل ، فقيل : بانقطاع الحيض . وقيل : بالغسل أو مضي صلاة ، أو انقطاعه لأكثره . وقيل : بالطعن في الحيضة الثالثة ، وحجة من وقفه على الغسل قضاء الخلفاء الراشدين ، قال الإمام أحمد : عمر ، وعلي ، وابن مسعود يقولون : حتى تغتسل من الحيضة الثالثة . قالوا : وهم أعلم بكتاب الله ، وحدود ما أنزل على رسوله ، وقد روي هذا المذهب عن أبي بكر الصديق ، وعثمان بن عفان ، وأبي موسى ، وعبادة ، وأبي الدرداء ، حكاه صاحب " المغني " وغيره عنهم . ومن هاهنا قيل : إن مذهب الصديق ومن ذكر معه أن الأقراء : الحيض .

قالوا : وهذا القول له حظ وافر من الفقه ، فإن المرأة إذا انقطع حيضها صارت في حكم الطاهرات من وجه ، وفي حكم الحيض من وجه ، والوجوه التي هي فيها في حكم الحيض أكثر من الوجوه التي هي فيها في حكم الطاهرات ، فإنها في حكم الطاهرات في صحة الصيام ، ووجوب الصلاة ، وفي حكم الحيض في تحريم قراءة القرآن عند من حرمه على الحائض ، واللبث في المسجد ، والطواف بالبيت ، وتحريم الوطء ، وتحريم الطلاق في أحد القولين ، فاحتاط الخلفاء الراشدون وأكابر الصحابة للنكاح ، ولم يخرجوها منه بعد ثبوته إلا بقيد لا ريب فيه ، وهو ثبوت حكم الطاهرات في [ ص: 569 ] حقها من كل وجه إزالة لليقين بيقين مثله ، إذ ليس جعلها حائضا في تلك الأحكام أولى من جعلها حائضا في بقاء الزوجية ، وثبوت الرجعة ، وهذا من أدق الفقه وألطفه مأخذا .

قالوا : وأما قول الأعشى :


لما ضاع فيها من قروء نسائكا

فغايته استعمال القروء في الطهر ، ونحن لا ننكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية