صفحة جزء
[ ص: 603 ]

ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتداد المتوفى عنها في منزلها الذي توفي زوجها وهي فيه ، وأنه غير مخالف لحكمه بخروج المبتوتة واعتدادها حيث شاءت

ثبت في " السنن " ، عن زينب بنت كعب بن عجرة ، عن ( الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه : فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة ، أو في المسجد دعاني ، أو أمر بي فدعيت له ، فقال : كيف قلت ؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي ، قالت : فقال : " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ، قالت : فلما كان عثمان ، أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته ، فقضى به واتبعه )

قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وقال أبو عمر بن عبد البر : هذا حديث مشهور معروف عند علماء الحجاز والعراق . وقال أبو محمد بن حزم : هذا الحديث لا يثبت ، فإن زينب هذه مجهولة لم يرو حديثها غير سعد بن إسحاق بن كعب ، وهو غير مشهور بالعدالة ، ومالك رحمه الله وغيره يقول فيه [ ص: 604 ] سعد بن إسحاق ، وسفيان يقول : سعيد . وما قاله أبو محمد غير صحيح ، فالحديث حديث صحيح مشهور في الحجاز والعراق ، وأدخله مالك في " موطئه " ، واحتج به وبنى عليه مذهبه .

وأما قوله : إن زينب بنت كعب مجهولة ، فنعم مجهولة عنده فكان ماذا ؟ وزينب هذه من التابعيات ، وهي امرأة أبي سعيد ، روى عنها سعد بن إسحاق بن كعب وليس بسعيد ، وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات . والذي غر أبا محمد قول علي بن المديني : لم يرو عنها غير سعد بن إسحاق ، وقد روينا في " مسند الإمام أحمد " : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم ، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة وكانت عند أبي سعيد الخدري ، عن أبي سعيد قال : ( اشتكى الناس عليا رضي الله عنه فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فسمعته يقول : يا أيها الناس لا تشكوا عليا ، فوالله إنه لأخشن في ذات الله ، أو في سبيل الله ) فهذه امرأة تابعية كانت تحت صحابي ، وروى عنها الثقات ولم يطعن فيها بحرف ، واحتج الأئمة بحديثها وصححوه .

وأما قوله : إن سعد بن إسحاق غير مشهور بالعدالة ، فقد قال إسحاق بن منصور ، عن يحيى بن معين : ثقة ، وقال النسائي أيضا والدارقطني أيضا : ثقة . وقال أبو حاتم : صالح ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات ، وقد روى عنه الناس : حماد بن زيد ، وسفيان الثوري ، وعبد العزيز الدراوردي ، وابن جريج ، ومالك بن أنس ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والزهري وهو أكبر منه ، وحاتم بن إسماعيل ، وداود بن قيس ، وخلق سواهم من الأئمة ، ولم يعلم فيه قدح ، ولا جرح البتة ، ومثل هذا يحتج به اتفاقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية