صفحة جزء
فصل

الحكم السادس : استنبط من قوله : ( لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة ) ، أن الحامل لا تحيض ، وأن ما تراه من الدم يكون دم فساد بمنزلة الاستحاضة ، تصوم وتصلي ، وتطوف بالبيت ، وتقرأ القرآن ، وهذه مسألة اختلف فيها الفقهاء ، فذهب عطاء والحسن ، وعكرمة ومكحول ، وجابر بن زيد ، ومحمد بن المنكدر ، والشعبي ، والنخعي ، والحكم ، وحماد ، والزهري ، وأبو حنيفة وأصحابه ، والأوزاعي ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وابن المنذر ، والإمام أحمد في المشهور من مذهبه ، والشافعي ، في أحد قوليه إلى أنه ليس دم حيض .

وقال قتادة ، وربيعة ، ومالك ، والليث بن سعد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وإسحاق بن راهويه : إنه دم حيض ، وقد ذكره البيهقي في ( سننه ) وقال إسحاق بن راهويه : قال لي أحمد بن حنبل : ما تقول في الحامل ترى الدم ؟ فقلت : تصلي واحتججت بخبر عطاء عن عائشة - رضي الله عنها - . قال : فقال أحمد بن حنبل : أين أنت عن خبر المدنيين ، خبر أم علقمة مولاة عائشة - رضي الله عنها - ؟ فإنه أصح .

قال إسحاق : فرجعت إلى قول أحمد ، وهو كالتصريح من أحمد ، بأن دم الحامل دم حيض ، وهو الذي فهمه إسحاق عنه ، والخبر الذي أشار إليه أحمد ، [ ص: 649 ] وهو ما رويناه من طريق البيهقي ، أخبرنا الحاكم ، حدثنا أبو بكر بن إسحاق ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا ابن بكير ، حدثنا الليث ، عن بكير بن عبد الله ، عن أم علقمة مولاة عائشة ، أن عائشة - رضي الله عنها - سئلت عن الحامل ترى الدم فقالت : لا تصلي قال البيهقي : ورويناه عن أنس بن مالك .

وروينا عن عمر بن الخطاب ، ما يدل على ذلك . وروينا عن عائشة - رضي الله عنها - أنها أنشدت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت أبي كبير الهذلي :


ومبرأ من كل غبر حيضة وفساد مرضعة وداء مغيل

قال : وفي هذا دليل على ابتداء الحمل في حال الحيض حيث لم ينكر الشعر .

قال : وروينا عن مطر ، عن عطاء ، ( عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : الحبلى لا تحيض ، إذا رأت الدم ، صلت . ) . قال : وكان يحيى القطان ينكر هذه الرواية ، ويضعف رواية ابن أبي ليلى ، ومطر عن عطاء .

قال : وروى محمد بن راشد ، عن سليمان بن موسى ، عن عطاء ، عن عائشة - رضي الله عنها - نحو رواية مطر ، فإن كانت محفوظة ، فيشبه أن تكون عائشة كانت تراها لا تحيض ، ثم كانت تراها تحيض ، فرجعت إلى ما رواه المدنيون ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية