صفحة جزء
ذكر حكمه - صلى الله عليه وسلم - فيما يحرم بيعه

ثبت في ( الصحيحين ) : من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله ورسوله حرم بيع الخمر ، والميتة ، والخنزير والأصنام . فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة ، فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ فقال : ( لا هو حرام ) . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك : ( قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها [ ص: 661 ] جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه ) .

وفيهما أيضا : عن ابن عباس ، قال بلغ عمر - رضي الله عنه - أن سمرة باع خمرا ، فقال : قاتل الله سمرة ، ألم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم ، فجملوها فباعوها ) .

فهذا من ( مسند عمر ) - رضي الله عنه - وقد رواه البيهقي ، والحاكم في ( مستدركه ) فجعلاه من ( مسند ابن عباس ) ، وفيه زيادة ، ولفظه : عن ابن عباس ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، يعني الحرام ، فرفع بصره إلى السماء فتبسم ، فقال : ( لعن الله اليهود ، لعن الله اليهود ، لعن الله اليهود ، إن الله - عز وجل - حرم عليهم الشحوم ، فباعوها ، وأكلوا أثمانها ، إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ) وإسناده صحيح ، فإن البيهقي رواه عن ابن عبدان ، عن الصفار ، عن إسماعيل القاضي ، حدثنا مسدد ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا خالد الحذاء ، عن بركة أبي الوليد ، عن ابن عباس .

وفي ( الصحيحين ) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - نحوه ، دون قوله : ( إن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه ) .

فاشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناس : مشارب تفسد العقول ، ومطاعم تفسد الطباع وتغذي غذاء خبيثا ؛ وأعيان تفسد الأديان ، وتدعو إلى الفتنة والشرك .

[ ص: 662 ] فصان بتحريم النوع الأول العقول عما يزيلها ويفسدها ، وبالثاني : القلوب عما يفسدها من وصول أثر الغذاء الخبيث إليها ، والغاذي شبيه بالمغتذي ، وبالثالث : الأديان عما وضع لإفسادها .

فتضمن هذا التحريم صيانة العقول والقلوب والأديان .

ولكن الشأن في معرفة حدود كلامه - صلوات الله عليه - وما يدخل فيه ، وما لا يدخل فيه ، لتستبين عموم كلماته وجمعها ، وتناولها لجميع الأنواع التي شملها عموم كلماته ، وتأويلها بجميع الأنواع التي شملها عموم لفظه ومعناه ، وهذه خاصية الفهم عن الله ورسوله التي تفاوت فيه العلماء ، ويؤتيه الله من يشاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية