صفحة جزء
وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظره غيم أو سحاب أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صامه . ولم يكن يصوم يوم الإغمام ولا أمر به ، بل أمر بأن تكمل عدة شعبان ثلاثين إذا غم ، وكان يفعل كذلك ، فهذا فعله وهذا أمره ، ولا يناقض هذا قوله : ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) فإن القدر هو الحساب المقدر ، والمراد به الإكمال كما قال : ( فأكملوا العدة ) ، والمراد بالإكمال إكمال عدة الشهر الذي غم ، كما قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري : ( فأكملوا عدة شعبان ) .

وقال ( لا تصوموا حتى تروه ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ) . والذي أمر بإكمال عدته هو الشهر الذي يغم ، وهو [ ص: 38 ] عند صيامه وعند الفطر منه ، وأصرح من هذا قوله : ( الشهر تسعة وعشرون ، فلا تصوموا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ) .

وهذا راجع إلى أول الشهر بلفظه وإلى آخره بمعناه ، فلا يجوز إلغاء ما دل عليه لفظه ، واعتبار ما دل عليه من جهة المعنى . وقال : ( الشهر ثلاثون ، والشهر تسعة وعشرون ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ) .

وقال : ( لا تصوموا قبل رمضان ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن حالت دونه غمامة فأكملوا ثلاثين ) .

وقال : ( لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ) .

وقالت عائشة رضي الله عنها : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره ، ثم يصوم لرؤيته ، فإن غم عليه عد شعبان ثلاثين يوما ، ثم صام ) . صححه الدارقطني وابن حبان .

[ ص: 39 ] وقال : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين ) .

وقال : ( لا تصوموا حتى تروه ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن أغمي عليكم فاقدروا له ) .

وقال : ( لا تقدموا رمضان . وفي لفظ : لا تقدموا بين يدي رمضان بيوم أو يومين ، إلا رجلا كان يصوم صياما فليصمه ) .

والدليل على أن يوم الإغمام داخل في هذا النهي حديث ابن عباس يرفعه : ( لا تصوموا قبل رمضان ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن حالت دونه غمامة فأكملوا ثلاثين ) . ذكره ابن حبان في "صحيحه" .

فهذا صريح في أن صوم يوم الإغمام من غير رؤية ولا إكمال ثلاثين صوم قبل رمضان .

وقال : ( لا تقدموا الشهر إلا أن تروا الهلال أو تكملوا العدة ، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ) .

[ ص: 40 ] وقال : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ) . قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

وفي النسائي : من حديث يونس ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس يرفعه : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم صوموا ، ولا تصوموا قبله يوما ، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة عدة شعبان ) .

وقال سماك : عن عكرمة : عن ابن عباس : ( تمارى الناس في رؤية هلال رمضان فقال بعضهم : اليوم . وقال بعضهم : غدا . فجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه رآه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا فنادى في الناس : صوموا " . ثم قال : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم صوموا ، ولا تصوموا قبله يوما ) .

وكل هذه الأحاديث صحيحة ، فبعضها في " الصحيحين " ، وبعضها في " صحيح ابن حبان " والحاكم وغيرهما ، وإن كان قد أعل بعضها بما لا يقدح في صحة الاستدلال بمجموعها ، وتفسير بعضها ببعض ، واعتبار بعضها ببعض ، وكلها يصدق بعضها بعضا ، والمراد منها متفق عليه .

فإن قيل : فإذا كان هذا هديه صلى الله عليه وسلم فكيف خالفه عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، والحكم بن أيوب الغفاري ، وعائشة وأسماء ابنتا أبي بكر ، [ ص: 41 ] وخالفه سالم بن عبد الله ، ومجاهد ، وطاووس ، وأبو عثمان النهدي ، ومطرف بن الشخير ، وميمون بن مهران ، وبكر بن عبد الله المزني ، وكيف خالفه إمام أهل الحديث والسنة أحمد بن حنبل ، ونحن نوجدكم أقوال هؤلاء مسندة ؟ فأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال الوليد بن مسلم : أخبرنا ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، أن عمر بن الخطاب كان يصوم إذا كانت السماء في تلك الليلة مغيمة ، ويقول : ليس هذا بالتقدم ولكنه التحري .

وأما الرواية عن علي رضي الله عنه فقال الشافعي : أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن أمه فاطمة بنت حسين ، أن علي بن أبي طالب قال : لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان .

وأما الرواية عن ابن عمر ففي كتاب عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن عمر قال : ( كان إذا كان سحاب أصبح صائما ، وإن لم يكن سحاب أصبح مفطرا ) وفي " الصحيحين " عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، وإن غم عليكم فاقدروا له ) .

زاد الإمام أحمد رحمه الله بإسناد صحيح عن نافع قال : كان عبد الله إذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوما يبعث من ينظر ، فإن رأى فذاك ، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا ، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما .

[ ص: 42 ] وأما الرواية عن أنس رضي الله عنه فقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا يحيى بن أبي إسحاق قال : رأيت الهلال إما الظهر وإما قريبا منه ، فأفطر ناس من الناس ، فأتينا أنس بن مالك فأخبرناه برؤية الهلال وبإفطار من أفطر ، فقال : هذا اليوم يكمل لي أحد وثلاثون يوما ، وذلك لأن الحكم بن أيوب أرسل إلي قبل صيام الناس إني صائم غدا ، فكرهت الخلاف عليه فصمت وأنا متم يومي هذا إلى الليل .

وأما الرواية عن معاوية فقال أحمد : حدثنا المغيرة ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال : حدثني مكحول ، ويونس بن ميسرة بن حلبس ، أن معاوية بن أبي سفيان كان يقول : لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان .

وأما الرواية عن عمرو بن العاص . فقال أحمد : حدثنا زيد بن الحباب ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن عمرو بن العاص ، أنه كان يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان .

وأما الرواية عن أبي هريرة فقال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي مريم مولى أبي هريرة ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : لأن أتعجل في صوم رمضان بيوم أحب إلي من أن أتأخر ، لأني إذا تعجلت لم يفتني ، وإذا تأخرت فاتني .

وأما الرواية عن عائشة رضي الله عنها ، فقال سعيد بن منصور : حدثنا أبو عوانة ، عن يزيد بن خمير ، عن الرسول الذي أتى عائشة في اليوم الذي يشك فيه من رمضان قال : قالت عائشة : لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان . [ ص: 43 ] وأما الرواية عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقال سعيد أيضا : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر قالت : ما غم هلال رمضان إلا كانت أسماء متقدمة بيوم وتأمر بتقدمه .

وقال أحمد : حدثنا روح بن عباد ، عن حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة ، عن أسماء أنها كانت تصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان .

وكل ما ذكرناه عن أحمد ، فمن مسائل الفضل بن زياد عنه .

وقال في رواية الأثرم : إذا كان في السماء سحابة أو علة أصبح صائما ، وإن لم يكن في السماء علة أصبح مفطرا ، وكذلك نقل عنه ابناه صالح ، وعبد الله ، والمروزي ، والفضل بن زياد ، وغيرهم .

فالجواب من وجوه

أحدها : أن يقال : ليس فيما ذكرتم عن الصحابة أثر صالح صريح في وجوب صومه حتى يكون فعلهم مخالفا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما غاية المنقول عنهم صومه احتياطا ، وقد صرح أنس بأنه إنما صامه كراهة للخلاف على الأمراء ، ولهذا قال الإمام أحمد في رواية : الناس تبع للإمام في صومه وإفطاره ، والنصوص التي حكيناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله إنما تدل على أنه لا يجب صوم يوم الإغمام ، ولا تدل على تحريمه ، فمن أفطره أخذ بالجواز ، ومن صامه أخذ بالاحتياط .

الثاني : أن الصحابة كان بعضهم يصومه كما حكيتم ، وكان بعضهم لا يصومه ، وأصح وأصرح من روي عنه صومه عبد الله بن عمر ، قال ابن عبد البر : وإلى قوله ذهب طاووس اليماني ، وأحمد بن حنبل ، وروي مثل ذلك عن عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر ، ولا أعلم أحدا ذهب مذهب ابن عمر غيرهم .

قال : وممن روي عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن [ ص: 44 ] مسعود ، وحذيفة ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم .

قلت : المنقول عن علي وعمر وعمار وحذيفة وابن مسعود المنع من صيام آخر يوم من شعبان تطوعا ، وهو الذي قال فيه عمار : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .

فأما صوم يوم الغيم احتياطا على أنه إن كان من رمضان فهو فرضه وإلا فهو تطوع . فالمنقول عن الصحابة يقتضي جوازه ، وهو الذي كان يفعله ابن عمر وعائشة . هذا مع رواية عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غم هلال شعبان عد ثلاثين يوما ثم صام . وقد رد حديثها هذا بأنه لو كان صحيحا لما خالفته ، وجعل صيامها علة في الحديث ، وليس الأمر كذلك ، فإنها لم توجب صيامه ، وإنما صامته احتياطا ، وفهمت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن الصيام لا يجب حتى تكمل العدة ، ولم تفهم هي ولا ابن عمر أنه لا يجوز .

وهذا أعدل الأقوال في المسألة ، وبه تجتمع الأحاديث والآثار ، ويدل عليه ما رواه معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهلال رمضان : ( إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما ) . ورواه ابن أبي رواد عن نافع عنه : ( فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) .

وقال مالك وعبيد الله عن نافع عنه : ( فاقدروا له ) فدل على أن ابن عمر لم يفهم من الحديث وجوب إكمال الثلاثين ، بل جوازه ، فإنه إذا صام يوم الثلاثين فقد أخذ بأحد الجائزين احتياطا ، ويدل على ذلك أنه رضي الله عنه لو فهم من قوله صلى الله عليه وسلم : ( اقدروا له تسعا وعشرين ثم صوموا ) كما يقوله الموجبون [ ص: 45 ] لصومه ، لكان يأمر بذلك أهله وغيرهم ، ولم يكن يقتصر على صومه في خاصة نفسه ولا يأمر به ، ولبين أن ذلك هو الواجب على الناس .

وكان ابن عباس رضي الله عنه لا يصومه ، ويحتج بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) .

وذكر مالك في " موطئه " هذا بعد أن ذكر حديث ابن عمر ، كأنه جعله مفسرا لحديث ابن عمر ، وقوله : ( فاقدروا له ) .

وكان ابن عباس يقول : عجبت ممن يتقدم الشهر بيوم أو يومين ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين ) كأنه ينكر على ابن عمر .

وكذلك كان هذان الصاحبان الإمامان أحدهما يميل إلى التشديد والآخر إلى الترخيص ، وذلك في غير مسألة . وعبد الله بن عمر كان يأخذ من التشديدات بأشياء لا يوافقه عليها الصحابة ، فكان يغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمي من ذلك ، وكان إذا مسح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد ، وكان يمنع من دخول الحمام ، وكان إذا دخله اغتسل منه ، وابن عباس : كان يدخل الحمام ، وكان ابن عمر يتيمم بضربتين ، ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين ، ولا يقتصر على ضربة واحدة ، ولا على الكفين ، وكان ابن عباس يخالفه ويقول : التيمم ضربة للوجه والكفين ، وكان ابن عمر يتوضأ من قبلة امرأته ويفتي بذلك ، وكان إذا قبل أولاده تمضمض ثم صلى ، وكان ابن عباس يقول : ما أبالي قبلتها أو شممت ريحانا .

وكان يأمر من ذكر أن عليه صلاة وهو في أخرى أن يتمها ثم يصلي الصلاة التي ذكرها ثم يعيد الصلاة التي كان فيها ، وروى أبو يعلى الموصلي في ذلك حديثا مرفوعا في " مسنده " ، والصواب أنه موقوف على ابن عمر . قال البيهقي : وقد روي عن ابن عمر مرفوعا ولا يصح ، قال : وقد روي عن ابن عباس مرفوعا ولا يصح . والمقصود أن عبد الله بن عمر كان يسلك طريق التشديد والاحتياط .

[ ص: 46 ] وقد روى معمر ، عن أيوب ، عن نافع عنه ، أنه كان إذا أدرك مع الإمام ركعة أضاف إليها أخرى ، فإذا فرغ من صلاته سجد سجدتي السهو . قال الزهري : ولا أعلم أحدا فعله غيره .

قلت : وكأن هذا السجود لما حصل له من الجلوس عقيب الركعة ، وإنما محله عقيب الشفع .

ويدل على أن الصحابة لم يصوموا هذا اليوم على سبيل الوجوب أنهم قالوا : لأن نصوم يوما من شعبان أحب إلينا من أن نفطر يوما من رمضان ، ولو كان هذا اليوم من رمضان حتما عندهم لقالوا : هذا اليوم من رمضان فلا يجوز لنا فطره . والله أعلم .

ويدل على أنهم إنما صاموه استحبابا وتحريا ما روي عنهم من فطره بيانا للجواز ، فهذا ابن عمر قد قال حنبل في " مسائله " : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد العزيز بن حكيم الحضرمي ، قال : سمعت ابن عمر يقول : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه .

قال حنبل : وحدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا عبيدة بن حميد قال : أخبرنا عبد العزيز بن حكيم قال : سألوا ابن عمر . قالوا : نسبق قبل رمضان حتى لا يفوتنا منه شيء ؟ فقال : أف أف ، صوموا مع الجماعة ، فقد صح عن ابن عمر أنه قال : لا يتقدمن الشهر منكم أحد ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صوموا لرؤية الهلال ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ) .

وكذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إذا رأيتم الهلال فصوموا لرؤيته ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه : فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما .

[ ص: 47 ] فهذه الآثار إن قدر أنها معارضة لتلك الآثار التي رويت عنهم في الصوم فهذه أولى لموافقتها النصوص المرفوعة لفظا ومعنى ، وإن قدر أنها لا تعارض بينها فهاهنا طريقتان من الجمع ، إحداهما : حملها على غير صورة الإغمام أو على الإغمام في آخر الشهر ، كما فعله الموجبون للصوم .

والثانية : حمل آثار الصوم عنهم على التحري والاحتياط استحبابا لا وجوبا ، وهذه الآثار صريحة في نفي الوجوب ، وهذه الطريقة أقرب إلى موافقة النصوص وقواعد الشرع ، وفيها السلامة من التفريق بين يومين متساويين في الشك ، فيجعل أحدهما يوم شك ، والثاني يوم يقين ، مع حصول الشك فيه قطعا ، وتكليف العبد اعتقاد كونه من رمضان قطعا ، مع شكه هل هو منه أم لا ؟ تكليف بما لا يطاق ، وتفريق بين المتماثلين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية