صفحة جزء
وكان يحض على الفطر بالتمر ، فإن لم يجد فعلى الماء ، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم ، فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به ، ولا سيما القوة الباصرة ، فإنها تقوى به ، وحلاوة المدينة التمر ، ومرباهم عليه ، وهو عندهم قوت وأدم ورطبه فاكهة .

وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس . فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده . ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء ، ثم يأكل بعده ، هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب .

وكان صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي ، وكان فطره على رطبات إن وجدها ، فإن لم يجدها فعلى تمرات ، فإن لم يجد فعلى حسوات من ماء .

[ ص: 49 ] ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند فطره : ( اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت ، فتقبل منا ، إنك أنت السميع العليم ) . ولا يثبت .

وروي عنه أيضا أنه كان يقول : ( اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت ) . ذكره أبو داود عن معاذ بن زهرة أنه بلغه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك .

وروي عنه أنه كان يقول إذا أفطر : ( ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى ) . ذكره أبو داود من حديث الحسين بن واقد ، عن مروان بن سالم المقفع ، عن ابن عمر .

ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم : ( إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد ) . رواه ابن ماجه .

[ ص: 50 ] وصح عنه أنه قال : ( إذا أقبل الليل من هاهنا ، وأدبر النهار من هاهنا ، فقد أفطر الصائم ) . وفسر بأنه قد أفطر حكما ، وإن لم ينوه ، وبأنه قد دخل وقت فطره كأصبح وأمسى ، ونهى الصائم عن الرفث والصخب والسباب وجواب السباب ، فأمره أن يقول لمن سابه : ( إني صائم ) فقيل : يقوله بلسانه وهو أظهر ، وقيل : بقلبه تذكيرا لنفسه بالصوم ، وقيل : يقوله في الفرض بلسانه ، وفي التطوع في نفسه ، لأنه أبعد عن الرياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية