صفحة جزء
[ ص: 212 ] فصل

وأما طوافه بالبيت عند قدومه ، فاختلف فيه ، هل كان على قدميه ، أو كان راكبا ؟ .

ففي " صحيح مسلم " : عن عائشة - رضي الله عنها - ، قالت : طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع حول الكعبة على بعيره ، يستلم الركن كراهية أن يضرب عنه الناس .

وفي " سنن أبي داود " : عن ابن عباس ، قال : قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة وهو يشتكي ، فطاف على راحلته ، كلما أتى على الركن استلمه بمحجن ، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين ، قال أبو الطفيل : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف حول البيت على بعيره يستلم الحجر بمحجنه ، ثم يقبله ، رواه مسلم دون ذكر البعير ، وهو عند البيهقي ، بإسناد مسلم بذكر البعير ، وهذا والله أعلم في طواف الإفاضة لا في طواف القدوم ، فإن جابرا حكى عنه الرمل في الثلاثة الأول وذلك لا يكون إلا مع المشي .

قال الشافعي - رحمه الله - : أما سبعه الذي طافه لمقدمه ، فعلى قدميه ؛ لأن جابرا حكى عنه فيه : أنه رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعة ، فلا يجوز أن يكون جابر يحكي عنه الطواف ماشيا وراكبا في سبع واحد ، وقد حفظ أن سبعه الذي ركب فيه في طوافه يوم النحر .

ثم ذكر الشافعي : عن ابن عيينة ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يهجروا بالإفاضة ، وأفاض في نسائه ليلا على راحلته يستلم الركن بمحجنه ، أحسبه قال : فيقبل طرف المحجن .

[ ص: 213 ] قلت : هذا مع أنه مرسل ، فهو خلاف ما رواه جابر عنه في " الصحيح " أنه طاف طواف الإفاضة يوم النحر نهارا ، وكذلك روت عائشة وابن عمر ، كما سيأتي .

وقول ابن عباس : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة وهو يشتكي ، فطاف على راحلته ، كلما أتى الركن استلمه ، هذا إن كان محفوظا ، فهو في إحدى عمره ، وإلا فقد صح عنه الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم ، إلا أن يقول كما قال ابن حزم في السعي : إنه رمل على بعيره ، فإن من رمل على بعيره فقد رمل ، لكن ليس في شيء من الأحاديث أنه كان راكبا في طواف القدوم. والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية