صفحة جزء
فصل

عدنا إلى سياق حجته - صلى الله عليه وسلم - .

فلما غربت الشمس ، واستحكم غروبها ، بحيث ذهبت الصفرة ، أفاض من عرفة ، وأردف أسامة بن زيد خلفه ، وأفاض بالسكينة ، وضم إليه زمام ناقته ، حتى إن رأسها ليصيب طرف رحله وهو يقول : " أيها الناس عليكم السكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع " أي : ليس بالإسراع .

[ ص: 228 ] وأفاض من طريق المأزمين ، ودخل عرفة من طريق ضب ، وهكذا كانت عادته - صلوات الله عليه وسلامه -في الأعياد ، أن يخالف الطريق ، وقد تقدم حكمة ذلك عند الكلام على هديه في العيد .

ثم جعل يسير العنق ، وهو ضرب من السير ليس بالسريع ولا البطيء . فإذا وجد فجوة وهو المتسع ، نص سيره ، أي : رفعه فوق ذلك ، وكلما أتى ربوة من تلك الربى ، أرخى للناقة زمامها قليلا حتى تصعد .

وكان يلبي في مسيره ذلك ، لم يقطع التلبية . فلما كان في أثناء الطريق نزل - صلوات الله وسلامه عليه - فبال ، وتوضأ ، وضوءا خفيفا ، فقال له أسامة : الصلاة يا رسول الله ، فقال : " الصلاة - أو المصلى - أمامك ".

ثم سار حتى أتى المزدلفة ، فتوضأ وضوء الصلاة ، ثم أمر بالأذان ، فأذن المؤذن ، ثم أقام فصلى المغرب قبل حط الرحال وتبريك الجمال ، فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة ، ثم صلى عشاء الآخرة بإقامة بلا أذان ، ولم يصل بينهما شيئا ، وقد روي : أنه صلاهما بأذانين وإقامتين ، وروي بإقامتين بلا أذان ، والصحيح : أنه صلاهما بأذان وإقامتين ، كما فعل بعرفة .

ثم نام حتى أصبح ، ولم يحي تلك الليلة ، ولا صح عنه في إحياء ليلتي العيدين شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية