[ ص: 307 ] فصل في فقه هذا الباب 
لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ، ودالة عليها ، اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب ، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها ، فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك ، والواقع يشهد بخلافه ، بل للأسماء تأثير في المسميات ، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح ، والخفة والثقل ، واللطافة والكثافة كما قيل : 
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه 
( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001407وكان صلى الله عليه وسلم يستحب الاسم الحسن ، وأمر إذا أبردوا إليه بريدا أن يكون حسن الاسم حسن الوجه  ) 
وكان يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة كما ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001408رأى أنه وأصحابه في دار عقبة بن رافع  ، فأتوا برطب من رطب ابن طاب ، فأوله بأن لهم الرفعة في الدنيا ، والعاقبة في الآخرة ، وأن الدين الذي قد اختاره الله لهم قد أرطب وطاب ، وتأول سهولة أمرهم يوم الحديبية  من مجيء  nindex.php?page=showalam&ids=3795سهيل بن عمرو  إليه  ) .  
[ ص: 308 ]  ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001409وندب جماعة إلى حلب شاة ، فقام رجل يحلبها ، فقال : " ما اسمك ؟ " قال : " مرة  فقال : اجلس ، فقام آخر ، فقال : " ما اسمك ؟ " قال : أظنه حرب  ، فقال : اجلس ، فقام آخر ، فقال : " ما اسمك ؟ " فقال : يعيش  ، فقال : " احلبها "  ) . 
وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء ويكره العبور فيها ، كما مر في بعض غزواته بين جبلين ، فسأل عن اسميهما ، فقالوا : 
فاضح  ومخز  ، فعدل عنهما ، ولم يجز بينهما . 
ولما كان بين الأسماء والمسميات من الارتباط والتناسب والقرابة ما بين قوالب الأشياء وحقائقها ، وما بين الأرواح والأجسام عبر العقل من كل منهما إلى الآخر كما كان 
 nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية  وغيره يرى الشخص ، فيقول : ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت ، فلا يكاد يخطئ ، وضد هذا العبور من الاسم إلى مسماه كما سأل 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  رضي الله عنه رجلا عن اسمه ، فقال : 
جمرة  ، فقال : واسم أبيك ؟ قال : 
شهاب  ، قال : ممن ؟ قال : من 
الحرقة  ، قال : فمنزلك ؟ قال : بحرة النار ، قال : فأين مسكنك ؟ قال : بذات لظى ، قال : اذهب فقد احترق مسكنك ، فذهب فوجد الأمر كذلك ، فعبر 
عمر  من الألفاظ إلى أرواحها ومعانيها ، كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم من اسم سهيل إلى سهولة أمرهم يوم 
الحديبية  ، فكان الأمر كذلك ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بتحسين أسمائهم ، وأخبر أنهم يدعون يوم  
[ ص: 309 ] القيامة بها ، وفي هذا - والله أعلم - تنبيه على تحسين الأفعال المناسبة لتحسين الأسماء ؛ لتكون الدعوة على رءوس الأشهاد بالاسم الحسن ، والوصف المناسب له . 
وتأمل كيف اشتق للنبي صلى الله عليه وسلم من وصفه اسمان مطابقان لمعناه ، وهما أحمد ومحمد ، فهو لكثرة ما فيه من الصفات المحمودة محمد ، ولشرفها وفضلها على صفات غيره أحمد ، فارتبط الاسم بالمسمى ارتباط الروح بالجسد ، وكذلك تكنيته صلى الله عليه وسلم 
لأبي الحكم بن هشام  بأبي جهل  ، كنية مطابقة لوصفه ومعناه ، وهو أحق الخلق بهذه الكنية ، وكذلك تكنية الله عز وجل 
لعبد العزى  بأبي لهب  ؛ لما كان مصيره إلى نار ذات لهب كانت هذه الكنية أليق به وأوفق ، وهو بها أحق وأخلق . 
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم 
المدينة  ، واسمها 
يثرب  لا تعرف بغير هذا الاسم غيره بطيبة ؛ لما زال عنها ما في لفظ 
يثرب  من التثريب بما في معنى طيبة من الطيب ، استحقت هذا الاسم ، وازدادت به طيبا آخر ، فأثر طيبها في استحقاق الاسم ، وزادها طيبا إلى طيبها . 
ولما كان الاسم الحسن يقتضي مسماه ويستدعيه من قرب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض قبائل العرب وهو يدعوهم إلى الله وتوحيده : ( 
يا بني عبد الله إن الله قد حسن اسمكم واسم أبيكم  ) ، فانظر كيف دعاهم إلى عبودية الله بحسن اسم أبيهم  
[ ص: 310 ] وبما فيه من المعنى المقتضي للدعوة ، وتأمل أسماء الستة المتبارزين يوم 
بدر  كيف اقتضى القدر مطابقة أسمائهم لأحوالهم يومئذ ، فكان الكفار 
شيبة  وعتبة  والوليد  ، ثلاثة أسماء من الضعف ، 
فالوليد  له بداية الضعف ، 
وشيبة  له نهاية الضعف ، كما قال تعالى : ( 
الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة  ) [ الروم : 54 ] ، 
وعتبة  من العتب ، فدلت أسماؤهم على عتب يحل بهم ، وضعف ينالهم ، وكان أقرانهم من المسلمين 
علي  ، 
وعبيدة  ، 
والحارث  رضي الله عنهم ، ثلاثة أسماء تناسب أوصافهم وهي العلو ، والعبودية ، والسعي الذي هو الحرث ، فعلوا عليهم بعبوديتهم وسعيهم في حرث الآخرة . 
ولما كان الاسم مقتضيا لمسماه ومؤثرا فيه كان 
أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه كعبد الله ، وعبد الرحمن ، وكان إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرحمن أحب إليه من إضافتها إلى غيرهما ، كالقاهر والقادر ، فعبد الرحمن أحب إليه من عبد القادر ، وعبد الله أحب إليه من عبد ربه ؛ وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية المحضة ، والتعلق الذي بين الله وبين العبد بالرحمة المحضة ، فبرحمته كان وجوده وكمال وجوده ، والغاية التي أوجده لأجلها أن يتأله له وحده محبة وخوفا ، ورجاء وإجلالا وتعظيما ، فيكون عبدا لله ، وقد عبده لما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره ، ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب ، كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر .