صفحة جزء
[ ص: 385 ] وكان يرد على المسلم " وعليك السلام " بالواو ، وبتقديم " عليك " على لفظ السلام .

وتكلم الناس هاهنا في مسألة ، وهي لو حذف الراد " الواو " فقال : " عليك السلام " ، هل يكون صحيحا ؟ فقالت طائفة منهم المتولي وغيره : لا يكون جوابا ، ولا يسقط به فرض الرد ، لأنه مخالف لسنة الرد ، ولأنه لا يعلم هل هو رد ، أو ابتداء تحية ؟ فإن صورته صالحة لهما ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سلم عليكم أهل الكتاب ، فقولوا : " وعليكم " ) فهذا تنبيه منه على وجوب الواو في الرد على أهل [ ص: 386 ] الإسلام ، فإن " الواو " في مثل هذا الكلام تقتضي تقرير الأول وإثبات الثاني ، فإذا أمر بالواو في الرد على أهل الكتاب الذين يقولون : السام عليكم ، فقال ( إذا سلم عليكم أهل الكتاب ، فقولوا : " وعليكم " ) فذكرها في الرد على المسلمين أولى وأحرى .

وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك رد صحيح ، كما لو كان بالواو ، ونص عليه الشافعي رحمه الله في كتابه الكبير ، واحتج لهذا القول بقوله تعالى : ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام ) ( الذاريات : 24 ) ، أي : سلام عليكم ، لا بد من هذا ، ولكن حسن الحذف في الرد ، لأجل الحذف في الابتداء ، واحتجوا بما في " الصحيحين " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خلق الله آدم طوله ستون ذراعا ، فلما خلقه ، قال له : اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة ، فاستمع ما يحيونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزادوه : " ورحمة الله " ) فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه تحيته وتحية ذريته ، قالوا : ولأن المسلم عليه مأمور أن يحيي المسلم بمثل تحيته عدلا ، وبأحسن منها فضلا ، فإذا رد عليه بمثل سلامه ، كان قد أتى بالعدل .

وأما قوله ( إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم ) فهذا الحديث قد اختلف في لفظة " الواو " فيه ، فروي على ثلاثة أوجه ، أحدها : بالواو قال أبو داود :

[ ص: 387 ] كذلك رواه مالك عن عبد الله بن دينار ، ورواه الثوري عن عبد الله بن دينار ، فقال فيه : ( فعليكم ) وحديث سفيان في " الصحيحين " ورواه النسائي من حديث ابن عيينة عن عبد الله بن دينار بإسقاط " الواو " ، وفي لفظ لمسلم والنسائي : فقل ( عليك ) بغير واو .

وقال الخطابي : عامة المحدثين يروونه ( وعليكم ) بالواو وكان سفيان بن عيينة يرويه ( عليكم ) بحذف الواو ، وهو الصواب ، وذلك أنه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه بعينه مردودا عليهم ، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم ، والدخول فيما قالوا ، لأن الواو حرف للعطف والاجتماع بين الشيئين . انتهى كلامه .

وما ذكره من أمر الواو ليس بمشكل ، فإن " السام " الأكثرون على أنه الموت ، والمسلم والمسلم عليه مشتركون فيه فيكون في الإتيان بالواو بيان لعدم الاختصاص ، وإثبات المشاركة ، وفي حذفها إشعار بأن المسلم أحق به وأولى من المسلم عليه ، وعلى هذا فيكون الإتيان بالواو هو الصواب وهو أحسن من حذفها ، كما رواه مالك وغيره ، ولكن قد فسر السام بالسآمة ، وهي الملالة وسآمة الدين ، قالوا : وعلى هذا فالوجه حذف الواو ولا بد ، ولكن هذا خلاف المعروف من هذه اللفظة في اللغة ؛ ولهذا جاء في الحديث ( إن الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام ) ولا يختلفون أنه الموت . وقد ذهب بعض المتحذلقين [ ص: 388 ] إلى أنه يرد عليهم السلام بكسر السين ، وهي الحجارة ، جمع سلمة ، ورد هذا الرد متعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية