صفحة جزء
فصل

في هديه وسيرته صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه

كان ينام على الفراش تارة ، وعلى النطع تارة ، وعلى الحصير تارة ، وعلى الأرض تارة ، وعلى السرير تارة بين رماله وتارة على كساء أسود .

قال عباد بن تميم ، عن عمه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى .

وكان فراشه أدما حشوه ليف . وكان له مسح ينام عليه يثنى بثنيتين ، وثني له يوما أربع ثنيات فنهاهم عن ذلك وقال : ( ردوه إلى حاله الأول فإنه منعني صلاتي الليلة )

والمقصود أنه نام على الفراش وتغطى باللحاف وقال لنسائه : ( ما أتاني جبريل وأنا في لحاف امرأة منكن غير عائشة ) .

وكانت وسادته أدما حشوها ليف .

[ ص: 150 ] وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم قال : ( باسمك اللهم أحيا وأموت )

( وكان يجمع كفيه ثم ينفث فيهما ) وكان يقرأ فيهما : قل هو الله أحد و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ، ووجهه ، وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات .

وكان ينام على شقه الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم يقول : ( اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ) . وكان يقول إذا أوى إلى فراشه : ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي ) ذكره مسلم . وذكر أيضا أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه ( اللهم رب [ ص: 151 ]

السماوات والأرض ، ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، منزل التوراة والإنجيل والفرقان ، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر
)

وكان إذا استيقظ من منامه في الليل قال : ( لا إله إلا أنت سبحانك اللهم إني أستغفرك لذنبي ، وأسألك رحمتك ، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )

وكان إذا انتبه من نومه قال : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) . ثم يتسوك ، وربما قرأ العشر الآيات من آخر ( آل عمران ) من قوله ( إن في خلق السماوات والأرض ) إلى آخرها [ آل عمران : [ ص: 152 ] 190 - 200 ] .

وقال ( اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، أنت إلهي ، لا إله إلا أنت )

وكان ينام أول الليل ، ويقوم آخره ، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين ، وكان تنام عيناه ولا ينام قلبه . وكان إذا نام لم يوقظوه حتى يكون هو الذي يستيقظ .

وكان إذا عرس بليل اضطجع على شقه الأيمن ، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه ، هكذا قال الترمذي . وقال [ ص: 153 ] أبو حاتم في صحيحه : كان إذا عرس بالليل توسد يمينه ، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ساعده ، وأظن هذا وهما والصواب حديث الترمذي .

وقال أبو حاتم : والتعريس إنما يكون قبيل الصبح .

وكان نومه أعدل النوم ، وهو أنفع ما يكون من النوم ، والأطباء يقولون : هو ثلث الليل والنهار ثمان ساعات .

التالي السابق


الخدمات العلمية