صفحة جزء
فصل

ولما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - الخروج من مكة ، تبعتهم ابنة حمزة تنادي : يا عم ، يا عم ، فتناولها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأخذ بيدها ، وقال لفاطمة : دونك ابنة عمك ، فحملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر ، فقال علي : أنا أخذتها ، وهي ابنة عمي ، وقال جعفر : ابنة عمي ، وخالتها تحتي ، وقال زيد : ابنة أخي ، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالتها : وقال : "الخالة بمنزلة الأم " ، وقال لعلي : "أنت مني وأنا منك " ، وقال لجعفر : "أشبهت خلقي وخلقي " ، وقال لزيد : "أنت أخونا ومولانا " ، متفق على صحته .

وفي هذه القصة من الفقه : أن الخالة مقدمة في الحضانة على سائر الأقارب بعد الأبوين .

وأن تزوج الحاضنة بقريب من الطفل لا يسقط حضانتها . نص أحمد - رحمه الله تعالى - في رواية عنه على أن تزويجها لا يسقط حضانتها في الجارية خاصة ، واحتج بقصة بنت حمزة هذه ، ولما كان ابن العم ليس محرما لم يفرق بينه وبين الأجنبي في ذلك ، وقال : تزوج الحاضنة لا يسقط حضانتها للجارية ، وقال الحسن البصري : لا يكون تزوجها مسقطا لحضانتها بحال ذكرا كان الولد أو أنثى .

وقد اختلف في سقوط الحضانة بالنكاح على أربعة أقوال :

[ ص: 332 ] أحدها : تسقط به ذكرا كان أو أنثى ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايات عنه .

والثاني : لا تسقط بحال ، وهو قول الحسن وابن حزم .

والثالث : إن كان الطفل بنتا ، لم تسقط الحضانة ، وإن كان ذكرا سقطت ، وهذه رواية عن أحمد - رحمه الله تعالى - وقال في رواية مهنا : إذا تزوجت الأم وابنها صغير ، أخذ منها ، قيل له : والجارية مثل الصبي ؟ قال : لا ، الجارية تكون معها إلى سبع سنين ، وحكى ابن أبي موسى رواية أخرى عنه : أنها أحق بالبنت وإن تزوجت إلى أن تبلغ .

والرابع : أنها إذا تزوجت بنسيب من الطفل ، لم تسقط حضانتها ، وإن تزوجت بأجنبي سقطت ، ثم اختلف أصحاب هذا القول على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه يكفي كونه نسيبا فقط ، محرما كان أو غير محرم ، وهذا ظاهر كلام أصحاب أحمد وإطلاقهم .

الثاني : أنه يشترط كونه مع ذلك ذا رحم محرم ، وهو قول الحنفية .

الثالث : أنه يشترط مع ذلك أن يكون بينه وبين الطفل ولادة ، بأن يكون جدا للطفل ، وهذا قول بعض أصحاب أحمد ومالك والشافعي .

وفي القصة حجة لمن قدم الخالة على العمة ، وقرابة الأم على قرابة الأب ، فإنه قضى بها لخالتها ، وقد كانت صفية عمتها موجودة إذ ذاك ، وهذا قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين عنه .

وعنه رواية ثانية : أن العمة مقدمة على الخالة - وهي اختيار شيخنا - وكذلك نساء الأب يقدمن على نساء الأم ؛ لأن الولاية على الطفل في الأصل للأب ، وإنما قدمت عليه الأم لمصلحة الطفل ، وكمال تربيته وشفقتها وحنوها ، والإناث أقوم بذلك من الرجال ، فإذا صار الأمر إلى النساء فقط أو الرجال فقط ، كانت قرابة الأب أولى من قرابة الأم ، كما يكون الأب أولى من كل ذكر سواه ، وهذا قوي جدا .

[ ص: 333 ] ويجاب عن تقديم خالة ابنة حمزة على عمتها بأن العمة لم تطلب الحضانة ، والحضانة حق لها يقضى لها به بطلبه ، بخلاف الخالة ، فإن جعفرا كان نائبا عنها في طلب الحضانة ، ولهذا قضى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في غيبتها .

وأيضا فكما أن لقرابة الطفل أن يمنع الحاضنة من حضانة الطفل إذا تزوجت ، فللزوج أن يمنعها من أخذه وتفرغها له ، فإذا رضي الزوج بأخذه حيث لا تسقط حضانتها لقرابته ، أو لكون الطفل أنثى على رواية ، مكنت من أخذه ، وإن لم يرض فالحق له والزوج هاهنا قد رضي وخاصم في القصة ، وصفية لم يكن منها طلب .

وأيضا فابن العم له حضانة الجارية التي لا تشتهى في أحد الوجهين ، بل وإن كانت تشتهى ، فله حضانتها أيضا ، وتسلم إلى امرأة ثقة يختارها هو ، أو إلى محرمه وهذا هو المختار ؛ لأنه قريب من عصباتها ، وهو أولى من الأجانب والحاكم ، وهذه إن كانت طفلة فلا إشكال ، وإن كانت ممن يشتهى ، فقد سلمت إلى خالتها ، فهي وزوجها من أهل الحضانة ، والله أعلم .

وقول زيد : ابنة أخي ، يريد الإخاء الذي عقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين حمزة لما واخى بين المهاجرين ، فإنه واخى بين أصحابه مرتين ، فواخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض قبل الهجرة على الحق ، والمواساة ، وآخى بين أبي بكر وعمر ، وبين حمزة وزيد بن حارثة ، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين الزبير وابن مسعود ، وبين عبيدة بن الحارث وبلال ، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص ، وبين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ، وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله .

والمرة الثانية : آخى بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك بعد مقدمه المدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية