صفحة جزء
ومضى أبو سفيان حتى إذا جاء قريشا ، صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشاربه ، فقالت : اقتلوا الحميت الدسم الأحمش الساقين قبح من طليعة قوم ، قال : ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم ، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، قالوا : قاتلك الله ، وما تغني عنا دارك ؟ قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد .

وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل مكة من أعلاها وضربت له هنالك قبة ، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد أن يدخلها من أسفلها ، وكان على المجنبة اليمنى ، وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة ، وقبائل من قبائل العرب ، وكان أبو عبيدة على الرجالة والحسر ، وهم الذين لا سلاح معهم ، وقال لخالد ومن معه : إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا حتى توافوني على الصفا ، فما عرض لهم أحد إلا أناموه .

وتجمع سفهاء قريش ، وأخفاؤها مع عكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو بالخندمة ؛ ليقاتلوا المسلمين ، وكان حماس بن قيس بن خالد أخو بني بكر يعد سلاحا قبل دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له امرأته : لماذا تعد ما أرى ؟ قال : لمحمد وأصحابه ، قالت : والله ما يقوم لمحمد وأصحابه شيء ، قال : إني والله لأرجو أن أخدمك بعضهم ، ثم قال :


إن يقبلوا اليوم فما لي عله هذا سلاح كامل وأله [ ص: 357 ]     وذو غرارين سريع السله

ثم شهد الخندمة مع صفوان وعكرمة وسهيل بن عمرو ، فلما لقيهم المسلمون ناوشوهم شيئا من قتال فقتل كرز بن جابر الفهري ، وخنيس بن خالد بن ربيعة من المسلمين ، وكانا في خيل خالد بن الوليد فشذا عنه فسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا ، وأصيب من المشركين نحو اثني عشر رجلا ، ثم انهزموا وانهزم حماس صاحب السلاح ، حتى دخل بيته فقال لامرأته : أغلقي علي بابي ، فقالت : وأين ما كنت تقول ؟ فقال :


إنك لو شهدت يوم الخندمه     إذ فر صفوان وفر عكرمه
واستقبلتنا بالسيوف المسلمه     يقطعن كل ساعد وجمجمه
ضربا فلا نسمع إلا غمغمه     لهم نهيت حولنا وهمهمه
لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه

وقال أبو هريرة : أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل مكة ، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين ، وبعث خالد بن الوليد على المجنبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر ، وأخذوا بطن الوادي ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتيبته ، قال : وقد وبشت قريش أوباشا لها ، فقالوا : نقدم هؤلاء فإن كان لقريش شيء كنا معهم ، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا أبا هريرة ؟ فقلت : لبيك رسول الله وسعديك ، فقال : "اهتف لي بالأنصار ، ولا يأتيني إلا أنصاري " ، فهتف بهم فجاءوا ، فأطافوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم " ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى : " احصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا " فانطلقنا فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم إلا شاء ، وما أحد منهم وجه إلينا شيئا " .

[ ص: 358 ] وركزت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجون عند مسجد الفتح .

ثم نهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله حتى دخل المسجد ، فأقبل إلى الحجر الأسود ، فاستلمه ثم طاف بالبيت ، وفي يده قوس ، وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنما ، فجعل يطعنها بالقوس ويقول : ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) الإسراء : 81 ] ، ( جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ) [ سبأ :49 ] ، والأصنام تتساقط على وجوهها .

التالي السابق


الخدمات العلمية